d
ما بعد بن لادن؛ القاعدة، الجيل التالي - عبد الباري عطوان

ما بعد بن لادن؛ القاعدة، الجيل التالي

ما بعد بن لادن؛ القاعدة، الجيل التالي

مات أسامة بن لادن، لكنّ القاعدة تظلّ التهديد الأكبر لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. مع انتشار فروع القاعدة في المواضع الاستراتيجية الملتهبة، من اليمن والصومال إلى شمال أفريقيا، وتزايُدِ نفوذها لدى الجهاديين المحلّيين في الغرب، يتحرّى الصحافي والخبيربهذا التنظيم عبد الباري عطوان كيف نجت القاعدة من جميع المحاولات التي بُذل... قراءة الكل
أضف تقييم
لا بد من طبعة ثانية .. هذه خاطرة تمر على بال القارئ الذي لاحظ أن الطبعة الأولى من الكتاب حملت بعضاً من نقاط الضعف .. فمثلاً .. هناك الكثير من المعلومات التذكيرية التي سيلحظها القارئ السابق للكتاب الأول الذي ألفه عطوان وهو " القاعدة: التنظيم السري" وعلى ما يبدو كان لا بد من ذكر بعضها لوضع القارئ في السياق .. المطلع على شؤون التنظيم سيلاحظ أيضاً أن الكاتب اعتمد في كتابه على بعض الكتب المختصة في هذا المجال، لربما نلاحظ مثلاً كتاب : من الألف إلى الياء عن المنظمات الجهادية في باكستان، في الفصل المخصص عن الحديث عن حركة طالبان باكستان؛ لكن هذا لا يقلل من القيمة الاعتبارية لجهد المؤلف المختص في شؤون القاعدة والشرق الأوسط والذي يمثل أحد أقوى المرجعيات في هذا المجال .. الجهد البحثي المبذول في الكتاب كبير ويشكر القائمون عليه، والشرح الموسع للجماعات المتطرفة على مستوى العالم يغذي من كون الكتاب مرجعاً هاماً لكل الدارسين والباحثين في شؤون القاعدة. لا بد من الإشارة إلى أن الكتاب كذلك يحتوي عدداً لا بأس به من الأخطاء الإملائية غير المبررة. التي يتحملها المسؤولون في دار الساقي بطبيعة الحال. من الخلاصات التي يخرج بها القارئ من هذا الكتاب: أن الميل الشديد للتطرف لا يأتي فجأة هكذا؛ فأحد الأسباب البارزة للتطرف - كما يبينها الكتاب - هو ميل القوى العلمانية والليبرالية والمحسوبة على الغرب بل والغربية إلى إقصاء المعتدلين من الإسلاميين عن المشهد السياسي بشتى الطرق، ( والأحداث الأخيرة في مصر قد تعيد إلى الأذهان التجربة القاسية التي خاضها الجيش في الجزائر مع جبهة الإنقاذ الإسلامية في أوائل التسعينيات والحرب الأهلية التي نتجت عن إقصاء الإسلاميين، قد تعيدها كمثال يجر المصريين إلى التطرف خاصة بعد الأحداث التي وصفت برفض الجيش المصري للانتخابات الديمقراطية التي شهدتها البلاد والتي أفرزت رئيساً محسوباً على الإٍسلاميين للمرة الأولى فيها). الفوضى مرتع مناسب للقيم المتطرفة. وهذا ما تشهده ليبيا حالياً إلى حد كبير، وتكاد سوريا تنغمس فيه بشكل أكبر، مع أملنا الكبير بعدم حدوث ذلك. الدولة الفاشلة في الصومال، والدولة التي تكاد أن تفشل في اليمن، نماذج تؤكد أن القاعدة تنشط بصورة كبيرة في البلدان البعيدة عن الاستقرار. لكن التجربة التاريخية للقاعدة تؤكد أن استهداف السكان المحليين تحت أي مبرر وغطاء هو أحد أكبر الأسباب التي تبعد الناس عن نهج القاعدة، الأمر الذي قد تستغله جهات حكومية عدة قد تخترق القاعدة لإحداث صورة سلبية عنها؛ وفي كثير من الأحيان تكون القاعدة عدوة نفسها، ( كما هو الحال بالنموذج الأقرب للأذهان " جريمة العرضي الدموية " التي شهدتها العاصمة صنعاء منذ أيام قليلة. والتي خرج فيها القيادي والمسؤول الإعلامي للقاعدة في شبه الجزيرة العربية قاسم الريمي لـ " يعتذر " عن سقوط ضحايا من المدنيين في مشهد مثير للسخرية يعزى من قبلي إلى عدم علم قيادات خبيرة في القاعدة من أمثال أيمن الظواهري بهذه العملية). تجدر الإشارة في هذا الموضع إلى أن قاسم الريمي كان أحد الهاربين من سجن الأمن السياسي في الفضيحة الأمنية التي مني بها الجهاز في صنعاء في العام 2006 والتي يشكك فيها الكثيرون ويُظن أن عملاء للقاعدة في الجهاز سهلوا هذه العملية. والسؤال كالعادة يقول: من من الجهات السياسية وراءهم؟! وفي الكتاب تلمحيات إلى استفادة متبادلة بين القاعدة والرئيس السابق علي عبد الله صالح خاصة في حرب الانفصال في العام 1994، وكذلك في الحرب على الحوثيين ابتداءً من العام 2004، وكذلك لا يغفل الكاتب أن القاعدة مثلت " البقرة الحلوب " التي استغلها الرئيس السابق لليمن كمصدر هام للدخل توفره الجهات الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية. هذا الأمر لا يجب أن ينسينا الدور الكبير للشيخ عبد المجيد الزنداني في تأسيس قاعدة جماهيرية للقاعدة في اليمن، خصوصاً في حملات جمع الدعم للمجاهدين، كذلك في استضافة قياديين في القاعدة منهم على سبيل المثال القيادي الراحل أنور العولقي وتعيينه في منصب تعليمي في جامعة الإيمان المشهورة. السياسة إذن هي التي تدير طبيعة العلاقة بين القاعدة والغرب، كذلك بينها و دول محورية في المنطقة كالسعودية مثلاً التي كانت ممن دعم القاعدة في الحرب الأفغانية، لتعود وتدعمها الآن في حرب العصابات القائمة على هامش الثورة السورية التي باتت تتصدر المشهد في تحول مؤسف نحو العنف؛ والذي جر الثوار إلى ذلك هو قمع النظام القائم في دمشق لسلمية الاحتجاجات في بادئ الأمر كما يعبر عن ذلك الكاتب في الكتاب. دول مثل ليبيا تشكل بيئة مناسبة لانتشار الفكر الجهادي، ومن الملاحظات التي يظهرها هذا الكتاب أن نسبة المجاهدين إلى عدد السكان للبلدان التي ينتمون إليها تشكل أفضلية ليبية، وهو أمر يعزى إلى طبيعة الليبيين القاسية، وحميتهم العالية لدينهم ومعتقداتهم. لا تنسى التجربة الصومالية كذلك، مثلها مثل تجربة القاعدة في المغرب الإسلامي، ومنطقة الصحراء؛ تجربة شاهدة على أن المناطق التي تقل فيها نقاط سيطرة الدولة ويغيب الأمن فيها هي بؤر تركز لنشاط القاعدة على المستوى المحلي والإقليمي. تبدو أمريكا الآن - ومعها دول أخرى مثل فرنسا والأنطمة العربية الإستبدادية - بما فيها النظام القائم في السعودية - وإسرائيل أيضاً - أهدافاً بعيدةً وقريبة، تصر القاعدة على أنها تشكل محور اهتمامها، وإن كانت القضية الفلسطينية أحد أبرز المحاور التي بنت من أجلها القاعدة سياستها العدوانية تجاه الغرب، إلا أنها تظل غائبة عن أجندتها العسكرية إلى حد كبير، وهو الأمر الذي يدفع الكثير من المتابعين للمشهد الشرق أوسطي إلى التشكيك في النوايا التي تكنها القاعدة نحو بلدانهم والمنطقة. يبدو ملاحظاً أن اللهجة التي استخدمت في هذا الكتاب أصبحت أكثر حديةً مقارنة بتلك اللهجة التي كُتب فيها كتاب عطوان الأول " القاعدة: التظيم السري". ويبدو أن عطوان يريد النأي بنفسه عن القاعدة بشكل أكبر، أو أنه أصبح يرى فيها جماعةً تشكل خطراً على الإسلام وعليه خاصة بعد موت - الشيخ أسامة - مما أدى به إلى استخدام لغة "إدانة" - إلى حد كبير - لم ألحظها في كتابه الأول. تطرق عطوان لـ " الميدان الرقمي للمعركة " يبدو مثالياً؛ فهو الميدان الأكثر تكافؤاً إلى حد كبير بين القاعدة والغرب، فالفضاءات الواسعة التي تتيحها الشبكة العنكبوتية أصبحت وسيلة مثلى لتجنيد المجاهدين، وكذلك لإحياء العناصر النائمة، وللدفاع عن وجهة نظر القاعدة التي تُشَوَّ في كثير من الأحيان في الإعلام التقليدي . يختتم عطوان كتابه بسؤال يقول: كيف تكون نهاية المجموعات الإرهابية؟، ويعتمد في إجابته على دراسة لمؤسسة " راند كوربوريشن " أجريت في العام 2008 بنفس العنوان وفيها احتمالات خمسة لهذه النهاية يستبعد عطوان أول ثلاثة منها ويرجح الأخيرين: 1- " تدمر المجموعة عسكرياً " وهو احتمال نادر الحدوث كان الاستثناء البارز لوقوعه هو تمكن حكومة سريلانكا من هزيمة حركة نمور التاميل الانفصالية في العام 2009. 2- " انهيار المجموعة بسبب الاقتتال الداخلي والفئات المنشقة " وهو احتمال متوقع الحدوث، لكنه كذلك بالنسبة لقادة القاعدة بمن فيهم أيمن الظواهري الذي يدرك جيداً هذا الخطر ويعمل على درءه. 3- " تعتقل أجهزة الاستخبارات أعضاء رئيسيين أو تقتلهم " وهذا السيناريو فند بعد موت بن لادن وظهور أن القاعدة هي تنظيم أفقي يعمل احترازياً على تفويض السلطات والمهمات، ما يضمن قدرة الشبكة على تحمل موت الشخصيات الرئيسة فيه. ويظهر الآن - والكلام لي - في العمليات المختلفة للقاعدة في اليمن، وإن كان هجوم العرضي المثير للجدل أثر على شعبية القاعدة وأظهر رعونة وطيش قادتها المحليين - في شبه الجزيرة العربية على الأقل -. 4- " إن المجموعة ستنضم إلى العملية السياسية ". ويستحضر عطوان النموذج الإيرلندي الذي شهد مشاركة الجناح السياسي للجيش الجمهوري الإيرلندي (( شين فين )) في برلمان إيرلندا الشمالية. ويؤمن عطوان بأن القاعدة ستتخذ لها على المدى القريب جناحاً سياسياً أو أنها ستعتمد على طرف ثالث كوسيط سياسي، وتشكل حركة طالبان مرشحاً مثالياً لهذا الدور خصوصاً بعد افتتاح مكتب لها في قطر. ينهي عطوان استشهاده بتقرير " راند كوربوريشن " بطريقة دراماتيكية .. فالاقتراح الختامي عن الطريقة التي قد تجعل القاعدة توقف نشاطاتها العنيفة هو المنطوي على أشد الاحتمالات سوءاً، وهو أن تحقق هذه الجماعة أهدافها. ويا لها من طريقة لإنهاء كتاب.
اكتشف كتب جديدة



احصائيات

0
1
0
0
0
أفضل القراء


لا توجد أي بيانات حاليا..