يتناول الشيخ أحمد الخالدي في تاريخه هذا أخبار الأمير فخر الدين المعني في لبنان وسائر الأقطار الشامية، ما بين سنة 1021 وسنة 1034 هجرية (1612-1624م) فيصف الخلاف الذي نشب بين الأمير المعني وأحمد باشا الحافظ، والحرب التي نتجت منه. ثم فرار الأمير إلى إيطالية، ويشير في عرض الكلام، إلى مغامرات الأمير علي ابن الأمير فخر الدين في حوران و...
قراءة الكل
يتناول الشيخ أحمد الخالدي في تاريخه هذا أخبار الأمير فخر الدين المعني في لبنان وسائر الأقطار الشامية، ما بين سنة 1021 وسنة 1034 هجرية (1612-1624م) فيصف الخلاف الذي نشب بين الأمير المعني وأحمد باشا الحافظ، والحرب التي نتجت منه. ثم فرار الأمير إلى إيطالية، ويشير في عرض الكلام، إلى مغامرات الأمير علي ابن الأمير فخر الدين في حوران وشرق الأردن، ثم يذكر فصل حافظ باشا عم إيالة الشام، وتعيين جركس باشا، صديق المعنيين، بدلاً منه، وكيف نتج من هذا التعيين رجوع الأمير فخر الدين على هذه البلاد سنة 1618، واستلامه أزمة الأحكام فيها, وبعد أن يصف انتصاراته على آل سيف في جهات طرابلس، وحملاته على آل حرفوش في البقاع وبعلبك، يذكر مواقعه في فلسطين حتى يافا.والشيخ الخالدي هو أحمد بن محمد بن يوسف الخالدي الصفدي، ولد بصفد، ونشأ بها, ثم ارتحل إلى القاهرة، وطلب العلم فيها. فدرس البخاري علي محمد البهنسي العقيلي، وأخذ الفقه، والحديث، والتفسير، والتاريخ، عن خطيب الجامع الأزهر وقتئذ، عبد الله بن بهاء الدين محمد بن جمال الدين عبد الله بن نور الدين الطنبغا التركي، الشهير نسبه بالعجمي الشنشوري الفرضي. واخذ أيضاً عن أحمد بن شعبان العمري، ولما عاد إلى فلسطين، درس وأفتى، وناب في القضاء وألف.ويقال أنه في أثناء ذلك تقرب إلى الأمير فخر الدين المعني الثاني، فأحبه هذا، واعتمد عليه في بعض المعمات، كما يظهر من سياق هذا التاريخ الذي نحن بصدده الآن. فعمد القاضي الخالدي عندئذ إلى تدوين المهم من هذه الأخبار التي شاهد بعضها واشترك في البعض الآخر منها, فنتج عن عمله هذا مؤلفه العظيم الذي بين يدينا والذي تناقلته أيدي النسخ اللبنانيين منذ ظهوره حتى الآن. ولعل الأمير فخر الدين نفسه هو الذي أشار على المؤلف بوضع هذا التاريخ. فقد ورد في المقدمة ما نصه: "هذا وقد أشار إلى من أشارته غنم، ومخالفته غرم، أن أسطر في هذه الأوراق ما وقع للأمير فخر الدين ابن معن، في زمن توليته علينا... مع أمراء إيالة الشام وحكامها من الشقاق والنفاق، وبين ما تعاطاه من الحروب بياناً شافياً يشتمل على أنواع القضايا والضروب، بحسب ما أسنده إلينا الرواة الثقاة".ومن الغريب أن لا يكون أحد من مترجمي الخالدي قد ذكر هذا المؤلف في تعداد الكتب التي وضعها. ولعل السبب في ذلك يرجع إلى الخالدي نفسه. فأما أن يكون قد توفي قبل إنهار مؤلفه هذا، أو أن يكون قد أخفى أمر هذا الكتاب، لما أورده فيه من عبارات المدح والاحترام للأمير اللبناني فخر الدين المعني الذي اتهمه علماء ذلك العصر بالزندقة والخروج عن قواعد السنة، وقد يكون المحبي نفسه أهمل ذكر هذا المؤلف ضناً بكرامة الخالدي، ومحافظة على مكانته الدينية.