إذا كانت هذه الوضعية عامة، إلى حد بعيد، وتسم العديد من الأحزاب في العديد من دول العالم، فإن مظاهر التأزم في البنية الحزبية على الصعيد اللبناني على قدر كبير من الخطورة والاتساع. فالارتباكات تضرب مقوماتها، والاختلالات تطال مرتكزاتها والأمراض تفتك في خلاياها، والجمود يعشش في ثناياها، إلى درجة تبدو فيه هشّة في حضورها، مستقيلة من دور...
قراءة الكل
إذا كانت هذه الوضعية عامة، إلى حد بعيد، وتسم العديد من الأحزاب في العديد من دول العالم، فإن مظاهر التأزم في البنية الحزبية على الصعيد اللبناني على قدر كبير من الخطورة والاتساع. فالارتباكات تضرب مقوماتها، والاختلالات تطال مرتكزاتها والأمراض تفتك في خلاياها، والجمود يعشش في ثناياها، إلى درجة تبدو فيه هشّة في حضورها، مستقيلة من دورها.إن استقرار هذه الوضعية، على ما هي عليه، يستدعي من حيث المبدأ، إطلاق المبادرة لمراجعة جزئية وعميقة تطال الظاهرة الحزبية بأدق تفاصيلها وبمختلف أشكال تمظهرها، في محاولة للخروج من حالة التراخي والتخبط من جهة، وتجاوز شرنقة المحرمات والممنوعات التي تقيد الأحزاب وتكبلها تحت ذرائع شتى من جهة ثانية، وتعيد الاعتبار لفكرة النقد والمساءلة بعد أن تجمدت وتصادرت من جهة ثالثة، الأمر الذي ساهم في تعطيل الآليات الكفيلة بالتجديد والتصوير داخل المؤسسة الحزبية، مع ما يتركه هذا الوضع من آثار سلبية على المجتمع بمختلف تشكيلاته ومظاهر الحياة فيه.يندرج هذا الكتاب ضمن الاتجاه النقدي في محاولة للإجابة على العديد من التساؤلات التي تثيرها التجربة الحزبية سواء على مستوى حياة الأحزاب الداخلية، أما على مستوى علاقتها بمحيطها، فما هو واقع الأحزاب والقوى السياسية في لبنان؟ ما هي مظاهر التأزم التي تهيمن على العمل الحزبي؟ ما هي مواطن الضعف في أداء الأحزاب والأعطاب في نشاطاتها؟ ما هي طبيعة مشاركتها في الاجتماع السياسي؟ ما هو موقع الإنسان في بنيانها؟ ما هي نوعية إعدادها وتربيتها لأعضائها؟ إلى أي مدى تؤثر البنية المجتمعية على الظاهرة الحزبية؟ إلى أي مدى تساهم الأحزاب والقوى السياسية في تنمية الثقافة الديموقراطية، فكراً وممارسة؟ إلى أي مدى تعزز مسيرة السلم الأهلي في البلد؟ وما هي دورها وموقعها في عملية التطوير والتنمية المجتمعية؟... الخ.تلك أسلة تحتاج إلى ردود، وهي بقدر ما تهدف إلى نقد التجربة الحزبية تنطلق من الإقرار بأهمية الظاهرة الحزبية وضرورتها المجتمعية. غير أنها تفترض أن البنية الحزبية في وضعيتها الراهنة، ومن خلال تجربتها ما بعد الطائف، قد اخترقها المجتمع بأمراضه، فتحولت إلى نمط سياسي يعيد إنتاج السائد بأشكال متنوعة، الأمر الذي يعزز هامشيتها ويزيد تأزمها الداخلي وتوترها مع مجتمعها.لذا كانت مقاربة الموضوع مقتصرة ضمن حدود الإمكانية، على متابعة قضايا محددة في المؤسسة الحزبية سواء في بنائها الداخلي (التربية الحزبية، حقوق الأعضاء، حقوق الإنسان والأطر العملية للتغيير، المرأة في التنظيم الحزبي) أو في النشاط الحزبي العام (الأحزاب في المجالس البلدية، الأحزاب في الانتخابات النيابية) أو في المجالين معاً (الالتزام الحزبي، المسار الحزبي، الأحزاب والانتماءات الأولية).