تدور القصائد على القصيدة موضوعاً لها، وهو ما شرع به داغر منذ مجموعته الأولى، "فتات البياض"، إذ جعل القصيدة تتأمل نفسها فيما تُقبل على عالمها. وهو قال في مقابلة معه: "هذا ما افتتحته في شعري منذ مجموعتي الأولى، منذ قصيدتي "فتات البياض"، حيث جعلت من الشعر موضوعاً لقصيدة، بل لقصائد. لطالما أثارني موضوع بناء القصيدة، على أنه الموضوع ...
قراءة الكل
تدور القصائد على القصيدة موضوعاً لها، وهو ما شرع به داغر منذ مجموعته الأولى، "فتات البياض"، إذ جعل القصيدة تتأمل نفسها فيما تُقبل على عالمها. وهو قال في مقابلة معه: "هذا ما افتتحته في شعري منذ مجموعتي الأولى، منذ قصيدتي "فتات البياض"، حيث جعلت من الشعر موضوعاً لقصيدة، بل لقصائد. لطالما أثارني موضوع بناء القصيدة، على أنه الموضوع الشعري بامتياز. هذا ما أجمعه في القول أحياناً عن أن القصيدة تتعين في أنها مرآة وفي أنها نافذة تفضي على غيرها، وفي آن. وهو ما يمكن تقريبه من المسرح كذلك، من المساعي القولية والحركية والعرْضية التي تجمع بين العمل المسرحي الجاري وبين حركة إقبال الممثلين عليه، ما يجعل المسرحية تقوم، وما يجعل العاملين فيها يمثلون ويتأملون في ما يقومون به. لهذا تبدو لي كتابة القصيدة سراً جديراً بالملاحقة، بالتتبع، بالتفقد، بمحاولات المراودة والتحرش والتعرف. وهو ما تستطيعه القصيدة، وهو ما تستعذبه أيضاً، إذ تنزلق فيما تتعين، وتتسرب فيما تتركز، وتصل إلى غيرها فيما تتوجه إليه (...). يراودني الاعتقاد بأن الطريقة المثلى - أو إحدى هذه الطرق - إلى انتهاج سبيل القصيدة هو مداعبتها، مراودتها عن نفسها، أي تجريب أشكال ووضعيات تَخرج بها القصيدة من طورها، ومن معتادها. هكذا تتأمل القصيدة نفسها إذ توقع نفسها في "مقلب"، في مفارقة (...). إلا أن ما أطلبه من اللعب عموماً – وله وجوه مختلفة في شعري - يتعدى اللعب نفسه، ويصب في ما أسميه بـ"نقد الأنا". فالقصيدة العربية، بقديمها وبقسم واسع من جديدها، قصيدة الفحل، قصيدة النفوذ، قصيدة التأكد من سلطة الأنا ومن ممارستها لقوتها، لتمكنها من الكلام، ومن أثره، ومن وقعه الاجتماعي".