ينطلق هذا الكتاب من لحظة بناء دير حوب في تنورين، التي تتعين خصوصاً في حجج ملكيته، وإن لا يكتفي الكتاب بذلك، بل يسبق هذه اللحظة ويتبعها بغيرها. ذلك أن بناء الدير ليس بالقرار الهين، كما ستيضح، وهو قرار سياسي قبل أن يكون تدبيراً رهبانياً أو رعوياً، إذ يخص سياسات أميرية، ووجاهات بعينها، هي التي استدعته وأوجبته، ولا سيما بتوفير أراض ...
قراءة الكل
ينطلق هذا الكتاب من لحظة بناء دير حوب في تنورين، التي تتعين خصوصاً في حجج ملكيته، وإن لا يكتفي الكتاب بذلك، بل يسبق هذه اللحظة ويتبعها بغيرها. ذلك أن بناء الدير ليس بالقرار الهين، كما ستيضح، وهو قرار سياسي قبل أن يكون تدبيراً رهبانياً أو رعوياً، إذ يخص سياسات أميرية، ووجاهات بعينها، هي التي استدعته وأوجبته، ولا سيما بتوفير أراض واسعة لإنشائه ولتأمين حياة ساكنيه والعاملين فيه، وخصوصاً ضمان أمن المجموع، كما سيتضح. ويزيد من أهمية هذا التأسيس أن بناء الدير تأخر غير مرة عن أن يكون، ما احتاج إلى عدة عقود واقعاً. فما أسباب الاحتياج إلى بناء دير؟ ما الموجبات السياسية والعائلية، فضلاً عن الدينية، في إنشاء دير، ولأول مرة في بلاد جبيل والبترون؟ولتدوين هذا الكتاب عاد المؤلف إلى وثائق كتابية مختلفة، عمل على تحقيقها فضلاً عن تحقيق غيره لبعضها، وهي كما يلي: سجلات "المحاكم الشرعية" في طرابلس، التي حفظت عدداً من "حجج التزام" البترون في الحقبة العثمانية، والتي ترد فيها معلومات عن "ناحية" البترون، مجموعة أو في قراها المختلفة (دوما، بشعله، كفرحي، كفر حلدا، حردين، البترون نفسها وغيرها)، وعن تنورين الواقعة في نطاقها الإداري."السجل العقاري" الذي أرجته المتصرفية، إثر قيامها، في قرى تنورين المختلفة، فأثبتت فيه ألأراضي المملوكة وأسماء أصحابها، ما يشكل ثبتاً ثميناً يفيد في تتبع شبكات عائلية دالة على تكاثر و تركز سكانيين ملحوظين في تنورين، فضلاً عن المساحات الزراعية وحدودها أحياناً وأنواع مزروعاتها.حجج محفوظة في سجلات الرهبانية اللبنانية المارونية، وتخص ملكية الأراضي التابعة لدير حوب الواقع في تنورين، انطلاقاً من تأسيسه (ابتداءً من العام 1700)، بل قبل ذلك أيضاً (1656)، وبما يشير إلى ملكيات عديدين في قرى تنورين وخارجها أيضاً.كما عاد إلى حجج ورسائل وردت في كتاب الأب لويس بليبل: "تاريخ الرهبانية اللبنانية المارونية"، وفي كتاب الأب أنطونيوس شبلي: "الآثار المطوية".ويتحقق الدارس، بمجرد انصرافه إلى درس هذه الحجج، وما تتحددث عنه تاريخياً، من أن عدداً من المصادر والمراجع (مثل: بليبل في الكتاب المذكور، أو لويس الهاشم في "تاريخ العاقورا"، أو قسطنطين الباشا في "تاريخ دوماً"، أو كتاب الراهب مارون كرم عن "قصة الملكية في الرهبانية اللبنانية المارونية" وغيرها) سبق أن عاد إلى بعض هذه الحجج، أو نقل بعض ما ورد فيها، جرت الاستفادة، إذن، من بعض هذه الحجج، غير أن أحداً لم ينشرها نشراً "عمومياً"، إذا جاء القول والتشبيه، أي نشراً موجهاً إلى القارئ، وإلى المكتبات، فضلاً عن أن الحجج لم تخضع، بالإضافة إلى تحقيقها النقدي، إلى قراءة تاريخية مختلفة الجوانب.