هذه أربعة بحوث لئن اختلفت من حيث وقت كتابتها ومن حيث المناسبة الدافعة إلى إنجاز كل واحد منها، فإنها تلتقي في موضوعها وهو البحث في الإنسان من حيث قضاياه الوجودية وحقائقه النفسية والتكوينية، ثم النظر في أسئلته الكبرى التي ما فتئ يلقيها على نفسه ليحملها الفكر منه إلى العالم باحثاً لها عن تأويل يقنعه. فإن أعجز قصور الفكر دله روحه ال...
قراءة الكل
هذه أربعة بحوث لئن اختلفت من حيث وقت كتابتها ومن حيث المناسبة الدافعة إلى إنجاز كل واحد منها، فإنها تلتقي في موضوعها وهو البحث في الإنسان من حيث قضاياه الوجودية وحقائقه النفسية والتكوينية، ثم النظر في أسئلته الكبرى التي ما فتئ يلقيها على نفسه ليحملها الفكر منه إلى العالم باحثاً لها عن تأويل يقنعه. فإن أعجز قصور الفكر دله روحه الإلهي على ربه، وحرضه على قراءة كتابه السماوي الذي يعده لا ببلوغ الأرب في ميدان الحقيقة فحسب، بل أيضاً بتحقيق ما يصبو إليه من طمأنينة النفس وسعادة الأبد.ضمن البحث الأول والأهم في هذا الكتاب تم تناول قضية النفس الإنسانية لنعيد طرح إشكالية المفهوم متسائلين عن حقيقة النفس وعن مراتبها وعن موقعها من ذات الإنسان ككل. ثم تم التطرق إلى مختلف أدوار هذه النفس وكيفيات تجليها وما طرأ عليها من انقلابات لنعالج بعد ذلك القضية الأهم والمتمثلة في السعي إلى الإجابة عن سؤال: كيف تحقق النفس ظهورها الأمثل في ذات الإنسان؟ وكيف تخلص في النهاية إلى نجاتها وسعادتها معاً متجاوزة بالضرورة أسباب شقائها وخسرانها وهلاكها؟ وفي سبيل إنجاز قول جدير بالاعتبار لدى أهل العقلو، واعترافاً بأن تناول موضوع النفس في مطلق نفسها، أي بأن نجعل من أنفسنا الشاهد والمشهود قد لا يؤدي بنا إلا إلى تحبر شهادة زور لسنا نرغب فيها.أما المبحث الثاني فموضوعه الكشف عن دلالة الجسد في العرفان الصوفي ومن خلال عرفان محيى الدين ابن عربي على وجه التخصيص. ومعلوم أن من اسم النفس يطلق على الجسد ليكون أحدهما بدلاً من الآخر ومرادفاً له. لذلك فإن هذا البحث وإن ركز على دائرة معرفية خاصة هي دائرة العرفان، إلا أنه يلقي أضواء ويفتح الباب على أفهام متميزة فعلاً لحقيقة النفس الإنسانية ولدور الجسد الإنساني ضمن مسيرة الإنسان المعرفية والوجودية على السواء.وعلى نفس المنوال درج البحث الثالث الذي خصص لتناول معنى الحرية في العرفان الصوفي، حيث ركز ومن خلال عرفان ابن عربي خاصة على تجلية أهم مقولاته في الحرية باعتبارها بعداً لا سبيل إلى إغفاله عند دراسة أي قضية وجودية إنسانية. إن الحرية شرط الذات كما أن الإنسان شرط العرفان.أما البحث الرابع فتم فيه عقد مقارنة طريفة بين ابن عربي وسارتر ضمن السعي نحو مزيد من الفهم لمعنى التجربة الإنسانية وذلك بمحاولة كشف خصائص هذه التجربة من خلال عقيدتي الكفر والإيمان لا لأن بضدها تتميز الأشياء فحسب، بل أيضاً لأن الإنسان يكشف في الواقع عن حقيقته كافراً كما يكشف عنها مؤمناً، وأنه لا مفر من معرفة الكفر لمعرفة الإيمان حيث لا إيمان في الحقيقة إلا بعد الكفر، ومن لا يعرف الطاغوت فكيف يمكن له أن يكفر به؟