التوثيق وأحكامه في الفقه الإسلامي

لا شك أن التعامل والتبادل التجاري بين الناس من النشاطات الكبيرة التي لا يستغنى عنها المجتمع بحال من الأحوال؛ ولذلك فقد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى في خلقه أن يشرع أحكامًا وأنظمة دقيقة لتنظيم حياتهم وعلاقاتهم في شتى أنواع هذه المعاملات والمبادلات، تكفل لكل ذي حق حقه، والتوثيق أحد الوسائل التي تكفل ذلك؛ حسما للنزاع والخصام الذي قد يسود هذه العلاقات؛ فقد أنزل الله فيه أطول آيات القرآن - آية المداينة – حيث وضعت الأسس والمبادئ الأساسية التي يقوم عليها هذا النظام. والتوثيق من العلوم التي برع فيها العرب منذ القدم، وازداد الاهتمام به بعد ظهور الإسلام وانتشار الكتابة في الجزيرة العربية.وقد تكفل الفقهاء المجتهدون ببيان أسس علم التوثيق ومبادئه ووضع قواعده الثابتة التي تتعلق بأحكام الموثق وكتابة الوثيقة حتى يتمكن أصحاب الحقوق من معرفة حقوقهم والتزاماتهم سدًّا للذرائع الواهنة التي قد يتخذها البعض وسيلة للتنصل مما أوجبه عليهم العقد أو الاتفاق؛ لأن من طبيعة البشر الشح وحب الذات والتظالم والتشوق إلى حطام الدنيا الزائل.