إن من أخذ فكرة أدبية، من منتديات الجاهلية، إلى منتديات صدر الإسلام، إلى منديات العصر الأموي، إلى منتديات العصر العباسي، وأظهر مكانها ومكانتها وتطورها من سوق إلى دار، إلى مسجد، إلى قصر، يرى كأنها كلها مجتمعة، مراكز هامة للثقافة العربية الواسعة، فهي حاشدة بالمناظرات والمنافرات في الجاهلية وهي حاشدة بأروع آيات القرآن وأحاديث الرسول...
قراءة الكل
إن من أخذ فكرة أدبية، من منتديات الجاهلية، إلى منتديات صدر الإسلام، إلى منديات العصر الأموي، إلى منتديات العصر العباسي، وأظهر مكانها ومكانتها وتطورها من سوق إلى دار، إلى مسجد، إلى قصر، يرى كأنها كلها مجتمعة، مراكز هامة للثقافة العربية الواسعة، فهي حاشدة بالمناظرات والمنافرات في الجاهلية وهي حاشدة بأروع آيات القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وخطب الخلفاء ودروس العلماء في الإسلام، وهي متخمة بالسياسة، والأدب من شعر ونثر وبالعلم من نحوٍ وصرف وبلاغة في عصر بني أمية. وهي مطورة ناهضة بالثقافة العربية في عصر بني العباس في عهده الأول.حقاً أن تلك المنتديات، تصّور عصرها أصدق تصوير وأجمله. تصور مجالات متنوعة في بيئات متنوعة. تصور الفكر واتجاهاته. تصور الثقافة وينابيعها. تصور المجتمع وسياسته. من هنا كانت الدراسة في هذا الكتاب تحت عنوان "قصر المأمون وأثره على العصر" لأن المأمون هو العقل المحرك لثقافة قصره. مع الأخذ بعين الاعتبار مبدأ الانفتاح ترجمةً لثقافات أمم سابقة. فالثقافة العريضة والعميقة التي يؤرخ لها الباحث ويدرسها في مظامها، لم تبدأ في عصر المأمون بالذات، بل بدأت جذورها البعيدة والفاعلة من أواخر العصر الأموي، وبداية العصر العباسي والتي زادت ازدهاراً في عهد الرشيد. حيث تربى المأمون في قصره الحاشد، فألف تلك المجالس، وتعرف على العلماء، ودرس على أيديهم اللغة والأدب والفقه والحديث.. فإذا به يتم ما نقص عند خلافته، ويطور ما يبدو حسناً عنده إلى أحسن في قصره. وليس للثقافة وطن، فقد وطن المأمون الثقافة في بغداد بتشجيعه للعلم، وإنفاقه المال في سبيله.ولأن دراسة القصر بداية واجبة لدراسة العصر. إذ ليست الغاية عند صاحب هذه الدراسة دراسة المأمون من خلال ثقافة عصره، إنما هو وسيلة لدراسة عصره من خلال قصره، ودراسة القصر بداية واجبة على كل باحث يريد دراسة العصر، لأنه من العوامل الفعّالة المؤثر في تيارات سياسية كانت دينية أو أدبية أو... حتى التأثير على معطيات المؤرخين واتجاهاتهم. فالقصر، مسرح لعلماء أفذاذ "وصالون" المعرفة المتنوعة, من أدب وفقه وتاريخ وكلام ولغة ونحو وصرف وبلاغة وطب ورياضيات وغناء وموسيقى... فدرات تلك على ألسنة الناس، يتجادلون فيها، حتى بات جدلهم صدى لجدل القصر.وبما أن هذه الندوات في قصر المأمون، ليست مقتصرة فقط على الاتجاهات الأدبية واللغوية والبلاغية، فهي تشمل أيضا الاتجاهات الغنائية والدينية والعلمية، لذلك، وللإحاطة بجميع جوانب هذه الاتجاهات، عمد إلى نشرها في سلسلة تحت عنوان هو (سلسلة/القصر وأثره على العصر العباسي أيام المأمون) في أربعة أجزاء. أما الجزء الأول فهو الذي بين يدي القارئ والذي يتناول بالدراسة الأدب في قصر المأمون وأثره على العصر العباسي. وقد تم تقسيم تلك الدراسة إلى أبواب. ممهداً في بداية الأبواب لهذه الاتجاهات الأدبية بلمحة موجزة عن الندوات الأدبية عبر العصور، مظهراً ما للقصر في أثر ثقافي واجتماعي وسياسي، ثم مدى تذوق المأمون مع بطانته ووزرائه وجلساته لتلك الندوات مما جذب إليه الكثير من العلماء متتبعاً من ثم المأمون وهو في ظلال قصر الرشيد، دارساً هذا القصر ومدى أثره على المأمون سيكولوجياً وعقلياً وتربوياً من خلال (ندوات الرشيد) التي هدفت إلى تدريب ولده على ندوات القصور، متنقلاً بعد ذلك مع المأمون إلى مرو مستقصياً ندواته التي كانت سياسية في أغلب الأحيان بحكم الخلاف حول الخلافة وبين أخيه الأمين. مستعرضاً من ثم الندوات في بغداد والاتجاهات الشعرية في قصر المأمون، من مدح واعتذار وزهد، وحكمة وغزل ومجون وخمر وهجاء وفخر ورثاء ووصف، متحدثاً عن النوع الثاني من الأدب وهو النثر وفنونه.