يتضمن هذا الكتاب عرضاً ونقداً للتيارات الفقهية والاجتهادية التي عرفها القانون الدولي الخاص خلال تطوره التاريخي وصولاً إلى أحدث ما ظهر منها حتى اليوم. وهو يبرز بشكل رئيسي أن قاعدة القانون الدولي الخاص ليست محصورة بقاعدة النزاع الكلاسيكية من النوع "السافيني" (أي القاعدة غير المباشرة التي لا تتضمن بحد ذاتها الحل للمسألة المطروحة بل...
قراءة الكل
يتضمن هذا الكتاب عرضاً ونقداً للتيارات الفقهية والاجتهادية التي عرفها القانون الدولي الخاص خلال تطوره التاريخي وصولاً إلى أحدث ما ظهر منها حتى اليوم. وهو يبرز بشكل رئيسي أن قاعدة القانون الدولي الخاص ليست محصورة بقاعدة النزاع الكلاسيكية من النوع "السافيني" (أي القاعدة غير المباشرة التي لا تتضمن بحد ذاتها الحل للمسألة المطروحة بل تختار القاعدة المادية التي تحمل مثل هذا الحل) وإنها قد تكون قاعدة مادية، مصدرها متنوع، داخلي أو دولي، تحمل بحد ذاتها الحل المطلوب. والفرق كبير بين الاثنتين، فالأولى تسمح بإمكانية تطبيق القانون الأجنبي، أي بإمكانية وجود تنازع بينه وبين القانون الوطني، "وتنتخب" من بين القوانين المتنازعة القانون الأنسب لأن يسود العلاقة القانونية. أما الثانية، فتمنع كل إمكانية تنازع بين القانون الأجنبي والقانون الوطني و"تحذف"، بصورة مسبقة، احتمال تطبيق القانون الأول وتؤدي إلى تطبيق القانون الثاني بصورة مباشرة وإلزامية.كما ويهتم الكتاب ببعث رسالة مفادها أن القانون الدولي الخاص علم له موضوعه ومنهجيته ومقاييسه وميدان تطبيقه، وإنه لم يعد ذلك "الفتى المدلل" الذي لا يضبطه نص تشريعي أو تلك "الثمرة الغريبة" التي يتذوقها القانونيون، من عشاق التجريد، عندما تطرح المسائل ضمن إطار المناظرات العلمية ويتنكرون لها عندما تصل إلى دائرة التطبيق العلمي.ويسعى الكتاب لإعطاء قاعدة القانون الدولي الخاص الطابع، الذي يعتقد البعض، بأنها تفتقر إليه، بسبب كونها غير مكرسة، في أكثر الأحيان، بموجب نص تشريعي. وناشئة عن الاجتهاد استناداً إلى قاعدة عرفية أو بنتيجة مبادرات "بريطورية". ونعني بذلك طابع القاعدة المتوقعة (بفتح القاف) التي لا تفاجئ المتقاضي لأجل ترسيخ هذا الطابع، يفرق الدكتور منصور بين القاعدة المعينة (بكسر العين) وبين القعدة المعنية (لفتح العين) ويحدد لكل منهما وظيفة ويوضح العلاقة بينهما وهي علاقة التكامل لأجل الوصول إلى القانون الأنسب.وبشكل عام يتوجه هذا الكتاب إلى ثلاث فئات من القراء: الباحث، نظرا لنا يتضمنه من أراء ونظريات، والممارس، لأنه مليء بالاجتهادات والحلول العملية، والطالب، لأن فيه بعداً تربوياً أكيداً متمثلاً بالمنهجية والتصميم والتكرار المفيد.إن أسلوب الكاتب صعب بعض الشيء. إلا أن هذه الصعوبة تتلاشى تدريجياً من صفحة إلى صفحة بحيث يصل القارئ إلى نهاية الكتاب وهو مدرك تماماً معنى الرسالة التي توخى الكاتب إيصالها إليه. و"الوسيط" يتضمن أفكاراً شخصية مبنية على الاستنتاج المنطقي الشديد الأحكام والتحليل الموضوعي ولكن هل هذا يعني أن القانون الوضعي سيتبناها كلها؟ أن المستقبل كفيل بالإجابة على هذا السؤال.