والأدب كان، ولا يزال، صوتاً معبراً عن الحضارات في كل زمان.. "وإذا أبصرت شعاعاً فاعلم أن وراءه كوكباً وإذا رأيت أدباً فاعلم أن وراءه حضارة، وما من خطر يهدد الشعاع إلا انفجار الكوكب"، كما يقول توفيق الحكيم.. وهكذا كان الأدب العربي في تاريخه الطويل وعصوره المختلفة، صورة خلاقة لمنتجات الحضارة العربية، يعيش فيها ويسهم في توضيحها وإضا...
قراءة الكل
والأدب كان، ولا يزال، صوتاً معبراً عن الحضارات في كل زمان.. "وإذا أبصرت شعاعاً فاعلم أن وراءه كوكباً وإذا رأيت أدباً فاعلم أن وراءه حضارة، وما من خطر يهدد الشعاع إلا انفجار الكوكب"، كما يقول توفيق الحكيم.. وهكذا كان الأدب العربي في تاريخه الطويل وعصوره المختلفة، صورة خلاقة لمنتجات الحضارة العربية، يعيش فيها ويسهم في توضيحها وإضاءة عناصرها، حتى لا تخلو حضارة من الحضارات منه.. فيغدو بذلك اللسان الناطق بها.. يقيم الحوار ويكثف الأسئلة ويتعمق في مظاهر الكون ويتخطى حدوده ليتصل بالآداب الأخرى ويقيم حواره معها، يأخذ ويعطين حتى تتولد في الكون إشعاعات حقيقية تنير النفوس والعقول، كما تنير المصائر والدروب...وما يتناوله هذا الكتاب جزء من هذا الحوار، حين ينفتح الفكر على سواه، وحين يقيم أبناء الأمة أدبهم على ما يجري على أرضهم وعلى أرض سواهم...ولا يخفى على دارس الأدب العربي، قديمه وحديثه، ما لهذا الحوار من قيمة متعددة الفوائد، حوار بدأ مع الذات والغير والآخر، ليستقطب القول ويعيد صوغه ويرسله مغمساً بوجدانه ووجدان الغير والآخرين...وهو حوار لا يخلو من انعكاس الصراعات الفكرية والتيارات المختلفة، كل في رحلته إلى البناء أو الهدم..يقدم هذا الكتاب ثلة من النماذج في النثر والشعر.. نماذج طرحت الحوار الحضاري الذي جاء أليفاً حيناً وصاخباً في أحيان كثيرة.ولأن العولمة الحديثة هي أكثر العولمات خطورة، لذلك كانت هذه النماذج قريبة منها أو تعيش في كنفها، كان من الضروري أن تكون حديثة وأكثر إثارة للمشكلات الحادة التي يعاني منها المجتمع العربي، من جراء الممارسات الاستعمارية، وصولاً إلى العولمة التي تحاول أن تصبغ كل شيء بأصباغها، حاصدة كل ما يكون في طريقها في شبه خطة شاملة لإلغاء ما هو قائم، والذي هو نتاج آلاف من السنين ولتحل محله آخر يرتكز على أهداف وتطلعات النظام العالمي الجديد، ويستفيد من آخر مبتكرات العلم والمعلوماتية والتكنولوجيا عموماً، وينظر بشكل مخيف لنهايات العالم وبدايات تاريخ جديد، ليس إلا تاريخ الدمار والتخريب للحضارات والمحليات والخصوصيات والثقافات والأديان واللغات.. بحجة إعادة البناء والتحضر، أي إيجاد حضارة عالمية واحدة وثقافة واحدة ودين واحد ولغة واحدة وآداب واحدة وإعلام واحد وسلاح واحد...ذلك هو المخيف وذلك ما يحذر منه الفكر الصحيح والأدب الخلاق... وذلك ما يريده أن يكون موضوعاً للحوار الجدي الذي ينقذ الشعوب بدل أن يهلكها.