لقد تغلغلت الانترنت وتطبيقاتها بسرعة في كل جانب من جوانب حياتنا الحديثة، إلى الحد أن الجيل الجديد الذي نشأ وفتح عينيه تحت مظلة الإنترنت قد لا يستطيع تصور كيف تكون الحياة بدون هذه الشبكة الإلكترونية وكيف كانت قبلها، وإن الأعمال التجارية وتداولات الأسواق المالية تعتمد بشكل لا غنى عنه على هذه الشبكة، وكذلك إدارة أعمال الشركات المكت...
قراءة الكل
لقد تغلغلت الانترنت وتطبيقاتها بسرعة في كل جانب من جوانب حياتنا الحديثة، إلى الحد أن الجيل الجديد الذي نشأ وفتح عينيه تحت مظلة الإنترنت قد لا يستطيع تصور كيف تكون الحياة بدون هذه الشبكة الإلكترونية وكيف كانت قبلها، وإن الأعمال التجارية وتداولات الأسواق المالية تعتمد بشكل لا غنى عنه على هذه الشبكة، وكذلك إدارة أعمال الشركات المكتبية، إضافة إلى كونها أنتجت أعمالاً تجارية خاصة بها وتتغذى من انتشارها ونموها، وبالتالي فإن الإنترنت أصبحت بما لا يقبل الشك عاملاً محدداً ومعرفاً للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمعرفية في عالمنا اليوم، وبالإضافة إلى المزايا العديدة التي نتجت عن تطبيقات الإنترنت وعن التوظيف الاجتماعي والثقافي والتجاري لها، والتي أصبحت معروفة ومثبتة خلال أقل من عقدين من ظهورها، ففي بداية ظهور الإنترنت في بداية التسعينات، كانت هناك آفاق من الفرص الهائلة أوحت بإمكانية ظهور هذه الوسيلة الاتصالية الجديدة، وتحدث بعض المفكرين والأنصار المتحمسين لهذه الوسيلة الجديدة، عن انقلاب ثوري في طرق التفكير ومناهج البحث العلمي تحدث أشبه بما يدعى بـ (العصف الذهبي)، تنتجه مزايا وإمكانيات الشبكة الإلكترونية ولا يشبه في تأثيره شيء على تطور وتغير بنية الفكر البشري إلا اختراع وتطور الكتابة قبل عدة آلاف من السنين، فكبسة زر صغيرة (Click) تضع الباحث أو العالم، أمام مئات من المصادر والمعلومات ربما لم يكن يعرف بوجودها أصلاً، وكان يقضي عدة أشهر من وقته في البحث عنها أو محاولة استقصاء ومعرفة مكان وجودها في المكتبات الورقية، إضافة إلى حصوله على سيرة تاريخية عن ما كتب عن موضوعه والمحاولات التي سبقته من خلال الأرشيف الموجود في قواعد البيانات الضخمة الموجودة في الانترنت، كما أنها سوف تقضي على نوع من المؤلفات والمصنفات التي تهدف إعطاء لمحة تاريخية عن الموضوعات المعرفية أو استعراض ما كتب عن الموضوع المحدد، أو المشاركات النظرية والمعرفية التي كتبت أو صنفت حول الموضوع وإسهامات كل الباحثين والمفكرين السابقين في أي مجال معرفي محدد، مادمت تستطيع أن تصل إليها بلحظة وكل ما كتب عنها على الإنترنت بجهد يسير جداً، وتوفر الوقت والجهد لإعطاء مساحة أكبر في البحث نحو التحليل والعمق الفكري، وحتى التفاعل الفكري بين عدة باحثين يعملون على نفس الموضوع في الوقت عينه، وكذلك تثوير البحث العلمي من خلال ( ليس فقط توفر قواعد البيانات الضخمة وسرعة وسهولة معالجة البيانات) المشاركة والتعاون بين جهود العلماء في أصقاع العالم النائية، والذين ربما لولا وجود الإنترنت لكانوا يعملون في عزلة وسرية تامة بدون أن يعرف أحدهم بوجود الآخر! إضافة إلى إمكانية العمل المشترك رغم المسافة البعيدة الفاصلة بينهم، وبالتالي الاستفادة من الخبرات والإمكانات التكنولوجية المتوفرة في مختبرات ومراكز بحثية مختلفة. إلا أن هذا القول أو التنبؤ، قد أوفت به الإنترنت وزادت عليه، كما تطورت باتجاهات لم يتوقع أكثر المناصرين ثورية توجهها نحوها، أو يمتلك القدرة للتنبؤ أو الحلم حتى بظهورها، وإذا ما قلنا أن الإنترنت هي عبارة أو تعمل على توفير مكتبة مصادر ومراجع شاملة، وصحيفة محلية وعالمية ووسيلة إذاعية، ومكتبة صوتية وشبكة اتصالات هاتفية عالمية رخيصة الثمن وتوفر لأول مرة الاتصال المرئي، ومكتبة موسيقية وغنائية، ومعيناً لا ينضب من أشرطة الفيلم والفيديو وسينما لأعمال الهواة والمحترفين على حد سواء، قد لا تكفي لإعطاء صورة حقيقة عن ما توفره الإنترنت أو ما تمثله من إمكانات محتملة، فهي هذا كله وأكثر من خلال الجمع بين مزايا المكونات المختلفة تنتج لدينا تطبيقات وإمكانات تفوق ما ذكرناه إلا أن أحد أهم المضامين التي تحملها الإنترنت والتي تمثل عاملاً محدد في تغيير البنية الاجتماعية والثقافية وحتى الاقتصادية، هي تقريب المسافات وظهور حالة من الوجود المكاني أو إمكانية الوصول تعرف بالوجود أو الحضور عن بعد، حيث توفر لنا الإنترنت إمكانية الوصول والمشاركة في بيئات ومجتمعات تبعد آلاف الكيلومترات ولكن تجعلنا حاضرين فيها في الوقت والمكان الحقيقي وكأننا جزء من هذه المجتمعات. إن الشبكة العنكبوتية العالمية (WWW) هي جزء من الإنترنت أو النت كما أصبحت تعرفا حالياً اختصاراً، ولقد تطور الإنترنت من قبل الـ Arp Anet (وكالة مشاريع البحوث المتقدمة Advanced Research Projects Agency) والتي أنشأت من قبل وزارة الدفاع الأميركية في عام 1969م، للبحث في إنشاء شبكات للبيانات العسكرية بشكل رئيسي، بعيداً عن الأسطورة التي روج لها لفترة من أنها نشأت من خلال سعي البنتاغون للحصول على شبكة اتصالات لا يمكن تدميرها أو تكون مضادة للقصف بالقنابل، ففي عام 1971م قامت مجموعة من المؤسسات الأكاديمية والحكومية في الولايات المتحدة وكندا بالربط بينها عن طريق شبكات، وفي عام 1973م تم توسيعها لتشتمل شبكات في دول أوروبية وأجهزة كمبيوتر مضيفة في تلك الدول، وفي عام 1992م بلغ عدد الأجهزة المرتبطة بالشبكة ما يقرب من 890 ألف مضيف يستخدم تقنيات مثل بريد إلكتروني مشفر من شخص إلى شخص، الشات عن بعد من خلال الإنترنت (IRC)، مؤتمرات الفيديو عن بعد، قوائم التوزيع معتمدة على البريد جماعات Usenet وفي نفس العام 1992، ظهرت الإنترنت للوجود عن طريق إطلاق الشبكة العالمية العنكبوتية (WWW-World Wide Web) والتي أصبحت تعرف اختصاراً بـ WWW أو الويب Web، كافية للإشارة إلى الإنترنت، من قبل مؤسسة (Cern) في سويسرا (هي الأحرف الأولى بالفرنسية للمجلس الأوربي للبحوث النووية)، وقد تم تطوير برمجية WWW أساساً من قبل تيم بيرنرزلي، لتسهيل التعاون المشترك في (الوقت الحقيقي) بين العلماء حول العالم الذين يعملون في مجال بحوث الفيزياء للطاقة الفائقة، ثم توسعت بشكل كبير لتصبح القناة الرئيسية للإنترنت من خلال ملايين من المستخدمين حول العالم، ولقد قدمت الشبكة للمستخدمين البروتوكولات اللازمة (أو البرامج) للوصول إلى صفحات الشبكة، لتيسير وتسهيل الاستفادة من خدماتها وتطبيقاتها، والتي يبدو أنها ساهمت في خلق مجال عام جديد، كان سحرياً ومدهشاً لكل من دخل إليه أو استخدمه لأول مرة، والذي تطور بشكل كبير في السنوات اللاحقة وما زال مستمراً في التطور كل يوم، وتمكن هذه البروتوكولات من توفير نصوص فائقة وتوفر مدخلاً لمبادئ أخرى من أساليب نقل المعلومات مثل بروتوكول ملف النقل (FIT)، ويتضمن النظام كذلك العميل (برمجية تقديم المعلومات أو الكمبيوترات التي تستخدم للوصول إلى المعلومات)، والسيرفرات (أو الخادم وهي البرمجية أو الكمبيوترات التي تعالج وتدير المعلومات)، وكذلك برمجية (URL) والتي تعرف عنوان أو موقع الموارد (والتي هي المعلومات)، وبرمجية (HTTP) التي هي برتوكول نقل النصوص الفائقة، وكذلك البنية أو الهيكلية التي تمكن عملاء الـ WWW من قراءة النصوص وهي لغة (HTML) والتطورات الأخرى التي نتجت عنها. إن التطورات الحالية والمرتقبة للنت، تشمل إنشاء الإنترنت 2 والتي سوف توسع بشكل هائل سعة الموجة العريضة، وسوف تسمح بتطبيقات وسائط متعددة كاملة، إذا صح القول وفقاً للطلب وتقول هيذر بويلز مديرة العلاقات العامة لاتحاد (الانترنت 2) –في عام 2008 –إنه (عبارة عن اتحاد غير ربحي قائم في الولايات المتحدة، تتصدره 208 جامعة أميركية بالشراكة مع 70شركة ومؤسسة تجارية كبرى وحوالي 50 مختبراً ووكالة بحثية وجمعية حكومية (بالإضافة إلى عدد آخر من الهيئات والمؤسسات الخاصة)، تعمل لتطوير ونشر واستخدام تكنولوجيا انترنت متقدمة للتعجيل في إبتداع إنترنت الغد، بنشر شبكة اتصالات عالية القدرة عبر الولايات المتحدة تحت اسم أبيلين (Abilene) وتربط الشركة 240 من المؤسسات الأعضاء في الإنترنت 2 و 34 شبكة تعليمية في الولايات المتحدة، كما تترابط مع شبكات أبحاث متقدمة في بلدان أخرى ويعمل إتحاد انترنت 2 مع شركائه لأحداث تغيير جذري في طريقة حياتنا وعملنا ولهونا، وقد تمت هندسة (أبيلين) وفقاً لأحدث القدرات في إنشاء شبكات الإنترنت لأجل توفير سرعات أكبر للمستخدمين بآلاف المرات عن وصلات النطاق العريض للإرسال المنزلي المستخدمة حالياً، وسوف تدعم هذه الشبكة مجموعة كاملة جديدة من التطبيقات مثل البيئات التشاركية والمحاكاة المكثفة والتلفاز عالي الوضوح، والفيديو ممتاز النوعية عند الطلب، وغيرها من التطبيقات التي لا يمكن تصورها اليوم. وفي بداية القرن الواحد والعشرين كانت الشبكة تخدم 200 مليون مستخدم دائم بوجود أكثر من 800 مليون صفحة منفصلة، وناشرون مثل رويترز يقدمون 27 ألف صفحة من البيانات بشكل روتيني كل ثانية في اليوم، واستمرت الشبكة بالنمو بشكل كبير، وكان للبريد الإلكتروني ومحركات البحث بالإضافة إلى الأخبار، الدور الرئيسي في هذا النمو، ويمكن لمستخدمي الإنترنت الوصول إلى الأخبار من خلال عدة أدوات ابتداء من الأدوات الصغيرة التي تحمل بيد واحدة (وهي الهواتف النقالة) المزودة بنظام الـ WAP، إلى أجهزة التلفاز الموائمة لاستقبال الإنترنت وأجهزة الكمبيوتر المكتبية (Desk Top)، متصلة إلى عدد كبير من الملحقات، مثل الكاميرات والماسحات الضوئية (Scanner) والطابعات، وعلى سبيل المثال خدمة الـ CNN الإخبارية المعدة وفقاً لطلب الزبون، يتم توصيلها عن طريق خدمة (بيجر) النقالة، وهناك عدد لا يحصى من هذه القنوات تنفذ من خلال تكنولوجيات تتوسع باستمرار. ويقول ستيفن ميللر مساعد رئيس التحرير للتكنولوجيا في صحيفة (نيويورك تايمز) بأن (الإنترنت قد غيرت بشكل أساسي صناعة الأخبار)، ويلمح إلى أن تكنولوجيا الإنترنت تقدم للقراء والمراسلين طريقة جديدة للعمل في نقل وتلقي المضمون: (... إن الفرصة للتركيز على المعلومات التي لم تستطيع الحصول عليها من قبل، فجأة يكون لديك نوع مختلف من الأخبار، أخبار أكثر دقة وأكثر سرعة في النقل، وفجأة يكون لديك أسئلة أفضل لطرحها، إنها مكان جديد للبداية، إنها لا تستبدل طريقة التغطية التقليدية للمراسلين... ولكنها تكنولوجيا مؤثرة وقوية جداً). وكيفما كنا ننظر للعلاقة بين الإنترنت ومؤسسات الأخبار التقليدية، فلا يمكن إنكار أهمية هذه العلاقة، إن وسائل الإعلام الإخبارية هي ثالث قطاع مهني في العالم يمضي نحو الإنترنت، ويتخذها بيئة حاضنة ومساندة لأعماله، بعد قطاع الصناعات العسكرية وقطاع التعليم العالي والبحوث العلمية، ففي فترة 18 شهراً فقط في منتصف التسعينات فإن معظم العناوين الصحفية على المستوى الوطني (أو القومي) في العالم، والعديد من العناوين الأخرى على المستوى الإقليمي أو المحلي، أنتجت نسخاً عنها على الإنترنت أو ظهرت على الإنترنت بشكل ما وإلى مرئى معين، وفي بعض الحالات أثر هذا الإنتقال بشكل جذري على الطرق التي تنتج بها الأخبار كما سنرى فيما بعد، وعلى سبيل المثال في حالة المجلة الأميركية (Omnium) التي توقفت عن الصدور كمطبوع ورقي أثناء فترة إنشائها على الإنترنت ومع ذلك ظلت تستطيع الاحتفاظ بالحجم الكبير لانتشارها وتوزيعها. ويقول ستيف كايس، المؤسس المشارك ورئيس هيئة المدراء التنفيذين لموقع (AOL- America on Line) إن مؤسسة لا توظف الصحافيين ضمن كوادرها، لأنها تنظر لنفسها على أنها تقدم (باقات إخبارية معبأة) أكثر من كونها مؤسسة (لجمع الأخبار)، وإن هذا التميز بنظرنا في دور المؤسسة الإخبارية هو حاسم ومهم جداً في التعامل والاستعداد للعمل الإخباري على الإنترنت، فحينما توفت الأميرة ديانا أميرة ويلز في حادث سيارة عام 1997 حقق موقع (AOL) ستة ملايين زائر لصفحته الرئيسية، وفي اليوم الذي تلا تحطم طائرة جون.كنيدي في حزيران 1999، كان الموقع يتلقى رسالة استجابة تتصل بالحارث من قرائه كل ثانية (يعني 3600 رسالة في الساعة) ومثل هذا المستوى من الاهتمام والاستجابة يتطلب شيئاً آخر أكثر من مجرد (إعداد الباقات)،(في نفس الفترة حقق كل من موقع MS NBC وفوكس ينوز، 600% زيادة في حجم الجمهور)، وكمحاولة لرسم الفارق بين (AOL) كموقع جامع إجمالي أو كمعد للباقات الجزئية، وبين مناقد الأخبار التقليدية مثل الصحف والمجلات، التي وهي تغطي الأخبار، تطور مصادراً للأخبار جديدة وتكتب قصصاً خبرية، فإن كايس يُعلي من الأدوار الناشئة للصحفي في الإنترنت، وهو يشرح لماذا لا توظف (AOL) أي صحافيين للعمل لديها، هو يشير إلى أن الخدمات الإخبارية في الإنترنت، تعين بالفعل أشخاصاً لديهم (خلفيات إعلامية)، لأنها تدرك بأن عملها يتطلب نوعاً من (الحكم المعقد) وكذلك معرفة عميقة بما يفضله الجمهور وخبرة في خيارات وأساليب التقديم.ويؤمن دافيلاندال في كتابه (الصحفي العالمي) بأن الدور المركزي للصحفي هو (لاكتشاف ونشر المعلومات التي تحل محل الإشاعات والتوقعات)، والعرف الذي تطور خلال قرن ونصف تقريباً مضى، يتوقع بأن مثل هذه الاكتشافات تنشر وفقاً لأشكال سردية محددة، إن الصحفي في الصحافة الورقية هو راوي أخبار مؤثر وفعال جداً، وإن طبيعة القصة الخبرية تتطلب سلسلة من الفلترة والمقدمات الممتزجة تحدد من خلال التركيبة التقليدية لأسلوب الهرم المقلوب، وبشكل متزايد فإن صحفيي الإنترنت أخذوا بتجنب ذلك الدور التاريخي للصحفي كدليل ومعلق على الأخبار الرئيسية (التي هي من اكتشافه)، وإذ يصبح القراء هم رواة قصتهم الإخبارية، فإن دور حارس البوابة ينتقل بشكل كبير من الصحفي إليهم، وهذه الخطة تغير من طبيعة القصة الخبرية، وهذا التغير هام جداً إذا ما حدث خلال الفترة التي تظل فيها الصحافة معتمدة على الإعلان للحصول على رأسمالها.إن الصحافة التي توفرها الشبكة هي موجهة من قبل أجندة معدة بشكل جذري عن تلك في عصر وسائل الإعلام الجماهيرية والتي من خلالها ينظم مجتمع المعلومات ويربط بشكل واضح القيم التي ستسمح بقيام ونشوء مؤسساته. (... للانخراط في هذه العملية، نحن نحتاج إلى خيال ما بعد اليوتوبوبيا لنعانق تعقد المؤسسات الإنسانية والممارسة التقنية النقدية التي تحتضن التطور المشترك للمؤسسات والتقنيات كلاً من الخيال والتطبيق يمكن رؤيته يؤخذ مما هو حولنا) وهذا الخيال في الوقت الذي يقوم فيه بتحديث ما هو اجتماعي وثقافي واقتصادي، كان قد طبق بشكل أبكر على ممارسات وأشكال الصحافة وهي تستكشف قوى وخصائص اختراع يتم بيرنرزلي (الشبكة العنكبوتية العالمية WWW). لقد أثرت الإنترنت وخصائصها الفائقة كوسيط إلكتروني في نقل المعلومات على أشكال الصحافة والخدمات الإخبارية سواء على الأشكال التقليدية لوسائل الإعلام الإخبارية أو على تلك الأشكال الناشئة في الإنترنت، بشكل تبادلي وتفاعلي، كما وفرت مميزات للصحافة الإخبارية في سرعة الوصول إلى مجتمعات وجماهير بصورة لم تكن تحلم بها قبل ظهور الإنترنت، وبحسب الباحثة عبلة درويش، (وهي صحفية مصرية تكتب في وتستخدم الإنترنت) فهي تحدد مميزات وخصائص الصحافة في الإنترنت بالنقاط التالية: 1. سرعة انتشار المعلومات (والأخبار...) ووصولها إلى أكبر شريحة وفي أوسع مجتمع محلي ودولي بأسرع وقت وأقل تكاليف، وفي رأينا إن أكبر شريحة يعتمد على مدى توفر هذه الخدمة في مجتمع ما وخصوصاً أن هذه الخدمة بمنأى من حيث الكلفة عن شريحة واسعة من المجتمع العربي خصوصاً وأن الكلفة الرخيصة هي بالنسبة للمواقع التي تستخدم الإنترنت لنشر رسائلها دون أن تحتاج إلى الاستثمار عالي الكلفة في البنى التحتية أو المعدات والبرمجيات التي تسهل عملها. 2. سرعة استجابة القارئ وسهولة مناقشة الحزبين الكاتب والقارئ. 3. سرعة تحديث وتعديل وتجديد الجزء الإلكتروني. 4. توفر الصحافة الإلكترونية مساحة أوسع للأقلام الشابة ولكافة شرائع المجتمع. 5. استطاعت الصحافة الإلكترونية أن تتخطى الحدود المحلية والعربية والدولية وحدود القانون والرقابة. 6. التوفر: تتوفر الصحافة الإلكترونية في أي وقت وفي أي مكان وعن أي موضوع حول مختلف القضايا ومتى ما شاء القارئ قراءتها، ويبدو لي أن هذه العمومية المطلقة التي تنطلق منها الباحثة تستوحي بيئة أميركا الشمالية وأوربا الغربية في نظرتها إلى قابلية الوصول أو التوفر، ففي بعض الدول في العالم الثالث (كما يسمى) ما زالت بعض الدول تفتقر في مناطق واسعة لها إلى شبكات الهاتف الأرضية فضلاً عن شبكات الإنترنت، كما تملك الحكومات في هذه الدول وأجزاء كبيرة من عالمنا العربي إمكانية حجب أو كامل الخدمة، إذا ما تعارضت بعض محتوياتها مع التوجه الحكومي الرسمي. 7. تمكنت الصحافة الإلكترونية من خلق مجتمعات متجانسة محلية وعربية ودولية حول قضية ما. 8. توفر الوقت والجهد والمال لمتابعها (مرة أخرى كما في الفقرة سادساً، تعتمد هذه على توفر هذه الخدمة وإمكانية الوصول إليها، إن كلفة الإنترنت حالياً خارج نطاق قدرات العديد من الأسر العربية المنهكة اقتصادياً أصلاً). 9. عدم حاجة المؤسسات الصحفية الإلكترونية إلى مقر واحد ثابت يحتوي كل الكادر. إن للإنترنت حجم جماهير أكبر بكثير من ذلك الذي كان لوسائل الإعلام سابقاً وحتى أكبر من جمهور الساتلايت القاري (ضمن قارة معينة)، وأكثر تعقيداً عند تقسيمه إلى أجزاء، ولكل مراه العالمي الذي يضم عشرات الملايين من المستخدمين فهو يرفض أن يندرج تحت تقسيم (وسائل الإعلام الجماهيرية)، وعلى منتجي الإعلام والمعلنين الذين يكتبون إعلاناتهم بشكل غير معلن، أن يبحثوا عن نماذج جديدة تسعى لإيجاد عوامل مشتركة ومعممة تشمل الجغرافيا والعمر والنوع والدخل والعرق والاهتمامات المناسبة، وكيف يمكن لهم أن يقدموا الأنباء إلى الجمهور هو في نفس الوقت محلي وعالمي. ورغم كل هذا التطور لصحافة الإنترنت والمؤسسات الإخبارية وتنوعها، خصوصاً في الغرب، نجد على المستوى العربي تخبطاً وعدم وضوح مفهوم الصحافة الإلكترونية ينطوي على نوع من الحلم أو الرومانسية، بإمكانية أو فكرة صحيفة إلكترونية توزع وتنشر بصورة إلكترونية (من خلال النت) تكون بديلاً للصحافة المطبوعة وذات دور حاسم في إنهاء مسيرة الأخيرة، ينعكس هذا من خلال عدم الإتفاق على مفهوم واضح للصحافة الإلكترونية، والخلط أو عد التمييز بينها وبين فكرة الموقع الإخباري أو الخدمة الإخبارية التي تقدمها مؤسسات متخصصة، ونجد أن فكرة نشر على الانترنت أو مفهوم الصحافة، قد وجد ترحيباً واهتماماً واسعاً من فئات عديدة ومختلفة في أوساط المثقفين والقراء في العالم العربي، وتطور باتجاه مفهوم الصحافة البديلة للصحافة التقليدية، ربما بسبب تاريخ طويل من العداء وعدم الثقة بما تقدمه الوسيلة الإعلامية التقليدية (والتي هي في الغالب مملوكة للسلطة أو على علاقة مصيرية بها) وكذلك الملل واليأس من جمهور وعدم تطور الصحافة التقليدية العربية في الشكل المضمون، بحيث أصبحت صحافة الإنترنت مستودعاً لما هو مرفوض وغير شائع في الإعلام الورقي، ونمو اتجاه حس بأن من لا يجد طريقه إلى الإعلام السائل عليه التوجه إلى الصحافة الإلكترونية كصحافة بديلة، مما تبلور في شكل نموذج المدونات الصحفية التي لاقت رواجاً كبيراً، كما تم الإعلاء من دورها وحجمها، والنظر إليها باعتبارها مساحة مفتوحة في حرية التعبير وإيصال ما هو ممنوع من مواقف معارضة سواء لتيار الإعلام السائد أو السلطة، بدون رؤية معمقة لوظيفة أمثال هذه المواقع والأشكال التي يمكن أن تخدم من خلال في سياق اجتماعي وثقافي أو سياسي تتمكن من خلال التأثير في هيكلة المجتمع اجتماعياً وسياسياً، ويروج عدد كبير من المثقفين والمناصرين لتجربة الصحافة في الانترنت، إن الأخيرة ستقضي نهائياً على الصحافة الورقية، رغم إن التجربة أثبتت إن صحافة الإنترنت قوة من موقف وسائل الإعلام التقليدية وزادت من سهولة الوصول إليها ومن حجم جمهورها وإن التفاعل والتبادل بينهما في المصالح والنفوذ كبير جداً، وإن صحافة الإنترنت استفادت من قاعدة الإعلانات في وسائل الإعلام التقليدي، كما ورجت لهذه الوسائل نفسها من خلال إعلاناتها، وفي هذا السياق كتب خالد المالك رئيس تحرير صحيفة الجزيرة السعودية في افتتاحية له في نفس الصحيفة: (مع أنه من المبكر جداً الحكم على الصحافة الإلكترونية ومدى تأثيرها على مستقبل الصحافة الورقية، بالنظر إلى أن صحافة الورق لا تزال إلى اليوم سيدة الموقف، فإن ذلك لا ينسينا ما نراه في جيل الشباب من افتتان بالمواقع الإلكترونية متابعة لها واستفادة مما تضخه من معلومات بسرعة ومهنية عالية رغم حداثتها). ورغم الضغط الكبير حول الصحافة الإلكترونية في الوطن العربي، فإن انتشارها لا يزال محدوداً بسبب محدودية شبكة الإنترنت ككل في العالم العربي، مع الاختلاف في كثافة التوزيع بين الشرق والمغرب العربي، إلا أن المعدل بشكل عام يبلغ تقريباً 7.5% حسب آخر الدراسات، وفي الأردن مثلاً تصل نسبة مستخدمي الإنترنت أكثر من 45%، أما في تونس فتبلغ 7% (حوالي 700 ألف مستخدم). ويذكر أن أول موقع صحفي عربي هو موقع صحيفة الشرق الأوسط اللندنية حيث أطلقت موقعها الإلكتروني في أيلول 1995م، ثم صحيفة (النهار) اللبنانية في شباط 1996م، وتلتها (الحياة) اللندنية في حزيران 1996، ثم توالت المواقع الكبيرة والمهمة في حجم جمهورها مثل (العربية نت) و (الجزيرة نت) وهما تتبعان المحطتين الفضائيتين المشهورتين، وموقع (إسلام أون لاين) و(إسلام تودي) وموقع (إيلاف) وغيرها. ويقول محمود سلطان رئيس تحرير صحيفة (المصريون) الإلكترونية (إن التجارب العربية الناجحة قليلة جداً، ونحن نظلمها إذا عممنا الظاهرة، فإذا قلنا إن هناك تجربة مثل إسلام أون لاين أو إسلام تودي أو الجزيرة نت أو العربية نت، أو المصريون ناجحة، فإن هذا هو الاشتفاء وليس القاعدة، القاعدة عبارة عن عشوائيات وأنا اعتبرها عبارة عن مواقع طفيلية، هذه المواقع تناظر ما يسمى العالم الغربي Blogger تقريباً، يعني مستخدم إنترنت يؤسس موقعاً ويبدأ من خلاله ببث مواد إعلامية. ويميز البعض في الصحافة الإلكترونية العربية بين مفهوم الصحيفة الإلكترونية والمواقع الإخبارية، دون أن يكون لتصنيفه هذا أي استناد على أرضية صلبة، فيما يميل البعض إلى توسيع مفهوم الصحافة الإلكترونية ليجعله يشمل كل موقع يحمل معلومات على الشبكة العالمية (وهنا يمكن أن يشمل موقع وكالة ناسا الفضائية أو موقع غلوبال سيكورتي التابع للبنتاغون) ويضيقه البعض ليجعله مقصوراً على الصحف التي تصدر وليس لها نموذج ورقي مطبوع، وكلا وجهتي النظر ضيقة أو غير متكاملة في منظورها، وهذا نتيجة للخبط الذي نجده في مفهوم الصحافة الإلكترونية العربية (وأنا لا أميل لهذا المصطلح بل أفضل عليه مفهوم ومصطلح صحافة الإنترنت وهو الذي استخدمته في متن الكتاب)، وإذا نظرنا إلى الواقع العربي، لوجدنا أن الأشكال الإعلامية الموجودة والقائمة، هي مواقع الصحف الورقية المعروفة والتي تلتزم بشكل صارم لنقل الصحيفة كما هي تقريباً إلى الإنترنت، المواقع الإخبارية العائدة إلى وسائل إعلامية غير صحفية (إذاعات أو محطات فضائية أو مؤسسات إعلامية)، والمواقع الإخبارية التي لا تملك مؤسسات إعلامية تقليدية (ولكنها لا تدعي أو تسمي نفسها صحفاً)، والصحف المستقلة التي لا تملك نموذجاً ورقياً، وأخيراً مواقع المدونات والمدونين، وهم أكثر من يطبل لزوال الصحافة الورقية التقليدية، ويؤمنون بأن المستقبل لأمثال مواقعهم، في الوقت الذي لا تملك هذه المواقع وسائل نشرها أو بثها (الإنترنت فهي عادة مستضافة من مواقع غربية مزودة لخدمة الإنترنت)، ولا تمتلك قاعدة تمويلية (مثل الإعلانات ...) يمكن أن تعتمد عليها لتكوين رأسمالها التمويلي بما يجعلها مستقلة وبعيدة عن الضغوط وعليه فإن استنتاجات دراسة لشركة مايكروسوفت متوقعة، صدور آخر نسخة من صحيفة مطبوعة في العالم عام 2018م، هي بعيدة جداً عن التحقق، ولعل أكثر المتفائلين لدور صحافة الإنترنت وحلولها محل الصحافة الورقية يمدد عمر الأخيرة حتى عام 2050 على أقل تقدير. ولا تقف الحماسة العربية عند هذا الحد، فإزاء الاهتمام الكبير بالمواقع الصحفية والإعلامية بالإنترنت، فقد افتتحت كلية الإعلام بجامعة القاهرة (وهي من أعرق وأقدم كليات الإعلام في الوطن العربي) شعبة للصحافة الإلكترونية في أقسامها الدراسية، ويقول الدكتور محمود خليل المشرف على شعبة الصحافة الإلكترونية: (أدركنا منذ سنوات أن الحدود بين أقسام الإعلام بدأت تختفي، فقدمنا مشروعاً لإنشاء شعبة للصحافة الإلكترونية تجسد ذوبان تلك الحدود، وتنتج خريجاً عصرياً يتسلح بالمهارات الجديدة لصحافي الحاضر (والمستقبل)). وبحسب محمود خليل الذي يقول في حديث لصحيفة الشرق الأوسط في 30 أكتوبر 2008 (إن الصحافي الإلكتروني في الصحافي الشامل الذي يقدم إنتاجاً إذاعياً وتلفزيونياً ومكتوباً ينشر عبر وسيلة إلكترونية)، مرة أخرى هذا الحديث عن إلكتروني، وليس عن شبكة عالمية هي الوسيلة الاتصالية الجديدة وتسمى الإنترنت. ويقول الدكتور محمود خليل (يتصور البعض خطأ إن الفرق بين الصحافي الإلكتروني وغيره هو سطح القراءة، فهناك فوارق أخرى فالنص الإلكتروني مفتوح ومن الممكن أن يمتد ليضفي معلومات تاريخية وعلمية، ويخدم الحدث عبر كل فروع المعرفة وفق رؤية الصحافي فهو نص نشيط ومتفاعل طوال الوقت، أما المطبوع فمغلق ينتهي بنهاية آخر كلمة في التقرير، كما أن النص يدعم بمواد سمعية وبصرية بل من الممكن استخدام برنامج (غوغل ايرن) لتدعيم تقرير عن مكان معين، فيراه القارئ أمامه رؤية العين. وإن الصحافة الإلكترونية ستدخل تغييرات عديدة على أسلوب العرض وصياغة الخبر نفسه إذ ستؤدي إلى ابتكار أساليب جديدة في السرد (تستمد التغييرات إلى أسلوب العرض وشكل النص الإلكتروني، وكما أجبرت ثورة المعلومات الصحافة على التغيير في أسلوب الكتابة وطريقة السرد، فلجأت إلى استخدام (الفيتشر) و(الحكي الروائي) لتغطية الحدث لتضمن الاختلاف والتميز عن الصحف الأخرى، وتتغلب على مشكلة السرعة التي تسبقها فيها وكالات الأنباء والمواقع الإلكترونية ستختلف النصوص الإلكترونية هي الأخرى نتيجة لثرائها واعتمادها على عناصر إضافية تتيح لها التميز بشكل أوسع). إن الطبيعة التفاعلية للوسيلة الجديدة (الإنترنت) تتطلب أساليب جديدة وبالنسبة للصحافة أصبح من المعروف أن الأشكال المجربة من قبل الاتصال من القمة للأسفل، التي طورتها عبر القرون الثلاثة الماضية من عمرها أصبحت غير مهمة ومهجورة من قبل الإنترنت،كما إنها تغدو غير مرتبطة بحياة قرائها وغريبة عنها وهناك بعض الأفكار أو الاقتراحات المطروحة بأن الصحف والمجلات سوف تهجر وتندثر في عصر أنظمة توصيل المعلومات القائمة على أساس الإنترنت، ولعله يكون من المهني التساؤل إذا ما كانت الصحافة المطبوعة سوف يتم هجرها أو الاستغناء عنها، إذ تأخذ التكنولوجيا دور الوساطة عبر برمجيات مثل محركات البحث وفلاتر المحتوى، فهل ظل من دور للوسيط الاتصالي في ظل هذا التطور التكنولوجي؟ إن هذا الكتاب يطرح فكرة ضرورة وجود هذا الوسيط، ولكن سيكون من المحتم بالنسبة للعديد من القيم الصحفية التقليدية، مثل الموضوعية وعدم التحيز والمصداقية والتوازن والأنصاف والموثوقية بحاجة لإعادة النظر فيها في ضوء الوسيلة الجديدة التي تجر معها كل أنواع الارتباك والفرص الواعدة والإثارة التي حملها ظهور الفيلم والتصوير السينمائي قبل مائة سنة. وبالنظر لطبيعة الإنترنت ونقطة التقارب والالتقاء للأشكال الإعلامية فيها، تجعل من الواجب علينا أن نوضح شيئاً حول مفهوم الجمهور ومفهوم القراء، وبينما من الواضح إن كلا المجموعتين هي من المستهلكين للوسيلة، فإن الجمهور يعطي بعداً اجتماعياً أكثر أو يفهم ضمن هذا الحس، أما القراءة فهو يشير إلى الفعل الذي يحدث بين الفاعل والنص، وهذا الفعل ينتج في نفس الوقت المعنى بين القارئ والنص، ويستجوب القارئ بصفته في موقع الفاعل، وإن فهمنا الاجتماعي للجمهور بشكل كبير لا يجعله فهماً لهذا الجمهور على أنه منقسم إلى ذرات صغيرة أو جمع من القراء المفردين أو القراءات المفردة أيهما شئت! وهذا الكتاب عن صحافة الإنترنت يستند إلى افتراض بأن الإنترنت تختلف نوعاً ما في طبيعتها عن القنوات الأخرى للأخبار والمعلومات، وهو يسعى إلى استكشاف المحددات التكنولوجية والتي تقلص أو تقلل من دور السياقات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية للإنترنت والنبوية الاجتماعية التي ترى إن مثل هذه التكنولوجيا ليست سوى قوى محركة دافعة تحرك وتشكل هذه السياقات، كما أنه يعرض للاتجاهات الحالية للأفكار والمفاهيم في صناعة الإعلام والتعليم في أوروبا وأميركا الشمالية، ويعرض طيفاً واسعاً من وجهات النظر حول الموضوع، بينما تقدم الأقسام الافتتاحية من الكتاب لممارسات ونظريات الصحافة على الإنترنت، والتي تبدو أنها غير منفتحة على الأخيرة كوسيلة اتصالية جديدة.