ان العنف البشري هو السمة الأكثر طغياناً على سمة السلوك البشري، كما ان العنف متمثلاً في الحروب والصراعات والنزاعات، هو السمة الأكثر بروزاً في تاريخ البشرية طوال قرون عدة، وتتجسد هذه الظاهرة و تترسخ بشكل أكثر في عالمنا اليوم، من خلال تطور وسائل الإعلام وانتشارها الهائل وامتداد نشاطها إلى كل مجال من مجالات الحياة الإنسانية المعاصرة...
قراءة الكل
ان العنف البشري هو السمة الأكثر طغياناً على سمة السلوك البشري، كما ان العنف متمثلاً في الحروب والصراعات والنزاعات، هو السمة الأكثر بروزاً في تاريخ البشرية طوال قرون عدة، وتتجسد هذه الظاهرة و تترسخ بشكل أكثر في عالمنا اليوم، من خلال تطور وسائل الإعلام وانتشارها الهائل وامتداد نشاطها إلى كل مجال من مجالات الحياة الإنسانية المعاصرة، واهتمام هذه الوسائل الكبير بتغطية أخبار العنف والحروب بشكل يومي، حتى أصبحت نسبة المضمون العنيف هي النسبة الأعلى في مضمون الوسائل الإعلامية، وكأنها تقتات على أخبار العنف اليومي، وقد لا تكون هذه مبالغة بل هي حقيقة من حقائق العمل الإعلامي، حينما ندرس وجهة نظر الصحافة الغربية في النظر إلى والتعامل مع الأخبار والتي تركز على أخبار الجريمة والجنس والفساد، وهي كلها بشكل أو آخر فيها عنف مسيء للطبيعة البشرية. وعلى الرغم من كثرة الدراسات حول تأثير العنف في وسائل الأعلام(وخصوصاً العنف المتلفز) والتي تشير إلى خطورة المضمون العنيف على المشاهد ودوره في تبني السلوك العنيف وتقليده (وخصوصاً عند الأطفال)، فإنه لا توجد دراسات تعنى بدارسة مدى اهتمام وسائل الأعلام العربية بنشر الأخبار والمضمون العنيف وكيفية تعاملها معه ومدى نسبة انتشار هذا المضمون العنيف من المضمون الإعلامي في وسائل الأعلام العربية المختلفة. ولا تتوفر إحصاءات أو بيانات عن نشر أخبار العنف والجرائم في هذه الوسائل، فأنا لم أقع إلا على دارسة واحدة للكاتب مناحي نايف الشيباني بعنوان (العنف الأسري دارسة تحليلية لمعالجة صحيفة الرياض لجرائم العنف)، منشورة في المملكة العربية السعودية عام 2008 وتناولت 21 مادة (فقط) نشرتها صحيفة الرياض السعودية خلال فترة الدارسة، عن أخبار العنف الأسري، ونحن بحاجة فعلاً إلى المزيد من هذه الدراسة الميدانية والتي تشمل عدداً أكبر من وسائل الأعلام المختلفة (صحف، إذاعات ، تلفزيون، مواقع الكترونية) لدراسة طرق تعاملها مع أخبار العنف، خصوصاً,اننا في عالم يسوده العنف، وتمزقه الصراعات والحروب المتزايدة كل يوم! . يتضمن هذا الكتاب، والذي يمثل جهداً متواضعاً لدراسة علاقة وسائل الأعلام المختلفة بالعنف وطريقة تعاملها معه على ستة فصول، تعامل الأول مع مفهوم العنف وتعريفاته والنقاش الذي يرجع فيه البعض العنف إلى كونه طبيعة بشرية فيما يرى آخرون إنه سلوك مكتسب من خلال التربية والبيئة المحيطة، أما الفصل الثاني، فهو عن العنف في الأخبار، وما الذي يحدد الخبر باعتباره خبراً، ومن الواضح إن العنف هو السمة الأهم التي تصنع الخبر من خلال دراستنا في هذا الفصل، وفي الفصل الثالث تناولنا العنف في وسائل الإعلام المختلفة وتناولنا بالشرح النظريات الإعلامية المفسرة للعنف وكذلك مضمون العنف من خلال تطور الفضائيات التلفزيونية (وعلى الأخص الفضائيات العربية)، وفي الفصل الرابع، تحدثنا عن المضمون العنيف في برامج الأطفال وسيادة العنف في مثل هذه البرامج، وفي الفصل الخامس كتبنا عن عنف الحضارة الحديثة التي هي حضارة عنيفة بامتياز (وهي من نتاج العالم الغربي بالدرجة الأولى) والعلاقة بين الحضارة الغربية والعنف السائد في المجتمعات الغربية، وكيفية ان الإعلام الأمريكي و الغربي وهو المسيطر في العالم يروج للعنف الذي يسود في بيئته الحاضنة (مجتمعات) بحيث يغدو في علاقة جدلية هو المحفز والناقل لهذا العنف، أما في الفصل السادس والأخير، فقد تناولنا نماذج للحروب ودورها في تطوير وسائل الأعلام وانتشارها وزياد الاهتمام بمتابعة الوسائل الإعلامية، ومن أهم هذه الحروب التي دفعت من مضمون العنف في الأعلام العربي والعالمي وهي حرب العراق 2003 لسيطرة أخبارها في أخبار وسائل الأعلام، نأمل أن نكون قد وفقنا في جهدنا لتفحص ودراسة العلاقة بين العنف ووسائل الأعلام في هذا الكتاب، والله من وراء القصد.