تشكل رواية "لعنة برج بابل" للروائي خليفة الدليمي سجلاً تاريخياً/أدبياً حافلاً بالأحداث المتحققة والمتخيلة. وتقول حكاية أكثر من بلد وأكثر من شعب، عبر قرون، فتجمع بين حقلين معرفيين مختلفين هما التاريخ والأدب، في علاقة جدلية تجعل من التاريخ مادة أولية للأدب الروائي، فتأتي الرواية لتعكس هذا العالم وتعيد صياغته، فتبرز ما خفي منه، وتض...
قراءة الكل
تشكل رواية "لعنة برج بابل" للروائي خليفة الدليمي سجلاً تاريخياً/أدبياً حافلاً بالأحداث المتحققة والمتخيلة. وتقول حكاية أكثر من بلد وأكثر من شعب، عبر قرون، فتجمع بين حقلين معرفيين مختلفين هما التاريخ والأدب، في علاقة جدلية تجعل من التاريخ مادة أولية للأدب الروائي، فتأتي الرواية لتعكس هذا العالم وتعيد صياغته، فتبرز ما خفي منه، وتضيء الظلال المتوارية خلف حركة الحكومات والأنظمة في مقابل حركة المجتمع والناس.فأي رسالة تتضمن "لعنة برج بابل" ومن هو المرسل إليه في هذه الرواية؟يمكن تصنيف هذه الرواية على أنها ملحمة سردية، فقد صورها كاتبها كما لو أنه مخرج سينمائي، فأجاد في تصوير لقطاتها، وأعطى كل مشهد ما يستحقه من اهتمام، وذلك بالرغم من كثرة عدد شخصياتها وأمكنتها. وقد نجح في الربط المنطقي بين أحداثها بفضل مهارته في نسج حبكتها.لقد أثارت رواية "لعنة برج بابل" نقاشاً ساخناً في النوادي الثقافية، وامتد النقاش والجدل ليصلا إلى الأوساط الأكاديمية؛ بسبب رحلتها المعرفية التي تنطلق من قعر الحضارة الرافدينية، مروراً بالحركات السياسية السرية الإيرانية، ثم تتفرع لتشمل التصادم بين اليهودية والنصرانية. وبعد ذلك، تنعطف لتلقي الضوء - في الوقت عينه - على أهم الأسباب الخفية والتحالفات السريّة التي أدت إلى ذلك الغزو، مع التركيز على بابل التاريخية التي سيتبين من خلال أحداث ووقائع الرواية سبب أهميتها.هذه الإضاءات تتم بواسطة السرد الذي يسيطر على الرواية بكاملها بالإضافة إلى الحوار ويأتي ذكر رموز تاريخية ودينية وأماكن حقيقية في معظم الوقائع ليضفي على الرواية طابع الواقعية، وكثيراً ما يتّم تقديم هذه الوقائع من خلال الشخصيات وقد ينسبها الراوي إلى هذه الشخصيات ما يوحي بتعدد الرواة داخل الرواية وإن كان في الظاهر راوٍ واحد، يسرد الأحداث.بهذه التقنيات استطاع خليفة الدليمي تشييد عمارة روائية شامخة، تنزع أساساتها من التاريخ القديم والحديث، وتستفيد طوابقها من التقنيات السردية الحديثة، فجمع بجدارة بين الأصالة والحداثة، وأثبت لقارئه مرة أخرى أنه روائي ماهر يأخذ العبرة من التاريخ، وصدق من قال من لم ينقب في سفر الماضي لن يستطيع فهم المستقبل. وفي النهاية لا نملك إلا القول لخليفة الدليمي أن الرسالة وصلت.