شقت هذه الدراسة طريقها بين انعطافين، ارتسم الأول في مطلع القرن السادس عشر، بينما ارتسم الآخر في بداية القرن التاسع عشر وخلاله. وقد حاولت هذه الدراسة أن تحدّد النطاق الذي نشأ فيه الفقيه على نحو مستقل عن ميدان الدولة.نبذة النيل والفرات:كان للكاتب في نظام دواوين الدولة الإسلامية في مراحلها المتقدمة دور هام وقد أحاط بصفة هذا الكاتب ...
قراءة الكل
شقت هذه الدراسة طريقها بين انعطافين، ارتسم الأول في مطلع القرن السادس عشر، بينما ارتسم الآخر في بداية القرن التاسع عشر وخلاله. وقد حاولت هذه الدراسة أن تحدّد النطاق الذي نشأ فيه الفقيه على نحو مستقل عن ميدان الدولة.نبذة النيل والفرات:كان للكاتب في نظام دواوين الدولة الإسلامية في مراحلها المتقدمة دور هام وقد أحاط بصفة هذا الكاتب كما بعلاقته بالسلطان أو الحاكم حذر وتساؤلات فخطاب الكاتب، الذي كان بالضرورة فقيها لم يكن يمثله والقراءة الخلفية لهذا الخطاب تكشف عن الدور غير المباشر والحاسم الذي لعبه الكاتب، ليس بصفته ناصحاً للسلطان فحسب، ولكن من خلال مشاركته في مشروع السلطة، أو من خلال صياغته لهذا المشروع.لقد تكونت طبقة كتابه الديوان من أفراد غير عرب، واحتفظت بهذه الخصوصية لأجيال طويلة، وقبل نهاية الدولة الأموي، كان الكتّاب يصيغون خطاباً يتمايز عن الخطاب الديني، فمنذ ذلك كاتب ديوان هشام بن عبد الملك، وعبد الحميد كاتب مروان بن محمد، وابن المقفع،أرست قواعد كتابة ذات طابع فني متخصص، وهذا الكتاب يتناول الباحث بالدراسة هذه الحرفية وعلاقة العقبة بالسلطان من خلال صفته ككاتب وقد حاول الباحث تحرير النطاق الذي نشأ فيه الفقيه على نحو مستقل عن ميدان الدولة وقد استبقى لذلك أمثلة من التاريخ وتحديداً تلك التي تزامنت مع مطالع القرن السادس عشر وذلك لسرد العبر الخاصة بعلاقة الفقيه بالحكم، بالإضافة إلى إبراز اضطهاد الخلفاء والحكام للفقهاء، أو ذكر انعاماتهم عليهم، وهذا لا يغيّر من كون الأجهزة الفقهية قد عملت في ميدانها الخاص، وهو ميدان متمايز عن حقل الدولة والسلطة، بالإضافة إلى تلك الأمثلة والنماذج من بداية القرن التاسع عشر وخلاله، والهدف من وراء ذلك ليس فقط تحليل خطاب المثقف في الإنسانيات والاجتماعيات، أو تحليل الخطاب الديني عنه الإصلاحي، كذلك فإن تحليل خطابات الفقيه والكاتب لم يكن غرضها أيضاً، وان تطرق الباحث في بعض الأحيان إلى ذلك، فيشكل جانبين، ولتوضيح الفكرة الرئيسية والخاصة بالأجهزة والتشكيلات ووظائفها وأدوارها، وإنما هدف الباحث إعادة علامة المثقف بالسلطة أهل القلم بالسلطة الحاكم إلى إطارها، لأن ما اعتبر أزمة علاقة المثقف بالسلطة، لا يمكن أن يشكل نقطة انطلاق لقراءة تجارب استغرقها التاريخ، فهذه الأزمة المعاصرة لا تملك قوة إسترجاعية، ولا نفس علاقة أهل العلم وأهل القلم بالسلطة الحاكمة، التي عمد الباحث في هذه الدراسة إلى إعادتها لإطارها.