الملف السري للنكتة العربية

لقد شاع بين السذّج أن الضحك والفكاهة هما من دلائل السطحية كما أن التجهم والعبوس هما من آيات العمق والفطنة. وما هذا من الحق في شيء؛ لأن الفكاهة هي الباب الخلفي لوعي المجتمع... ذلك الباب تتسرب منه نفثات الصدور وكوامن النفوس... وبحسبك أن تحلل فكاهة عصر من العصور حتى ترى بوضوح إلى أين يتجه مؤشر الوعي... وللجاحظ العربي أقوال مشهورة في الضحك، منها: "لو كان الضحك قبيحاً من الضاحك وقبيحاً من المضحك، لما قيل للزهرة والحيرة والحلي والقصر المبني والوجه الجميل: كأنه يضحك ضحكاً"... وقوله: "وكيف لا يكون موقع الضحك من سرور النفس عظيماً، ومن مصلحة الطباع كبيراً، وهو في أصل الطباع وفي أساس التركيب" وقوله: "ولفضل الضحك عند العرب، تسمي العرب أولادها بالضحّاك والبسّام والطلق والطليق. والنكتة كالشعر والأدب والموسيقى والرسم والنحت: : فنّ تعبيري فيه من الأبعاد والشفافية والجمالية ما يرفعه إلى مصاف هذه الفنون. فكم من نكتة فيها من البراعة ما لا تستقطبه قصيدة وكم من نكتة فيها من المعاني ما يختصر حديثاً أو خطاباً. وكم من نكتة فيها من الإيحاء ما يرقص اهتزازاً وطرباً، وكم من نكتة فيها من الخيال والرشاقة والطرافة ما لا تجاريه ريشة وازميل. ولقد كان للكثيرين أقوال في النكتة والضحكة والدعابة والفكاهة والحكمة والمزحة والبسمة والسلوى والمرح، والأنس، والمتعة ويكاد لا يخلو عصر من العصور من ظرفاء، لهم حضور وهّاج في مجتمعاتهم، يحسنون سرد النوادر ورواية الفكاهات، فيشيعون الفرحة والأنس، وهذا الكتاب بكل محتوياته إنما يحمل طائفة ممن أودعوا المكتبة العربية هذا التراث ومجموعة من الكتب كان لها أثرها في هذا الفن الأدبي. والغاية إتحاف القارئ بمجموعة من الفكاهات المختارة، والنكات الشيقة التي تعب مؤلف هذا الكتاب في عملية انتقائها واصطفائها حين يعلم القارئ أنه اختارها من كتب مختصة بالفكاهة والنكتة ونحوهما، بلغ مجموعها حوالى ثمانين كتاباً... إلى جانب مجلات ودوريات ونحوهما بلغ تعدادها العشرات والعشرات من غير تجاهل الكمّ الهائل من النكت والفكاهات التي عرفها المؤلف على مدى سنين طويلة.