المقدمةهناك عبارة تتردد على ألسنة الناس وعلى أقلام بعض المفكرين والكتاب سواء الذين يبحثون في الإنسان أو عند الصوفيين ، وهي قولهم : (الإنسان عالم قائم بذاته). وعندما نمعن النظر في هذه العبارة نجد أنها صحيحة إلى حد كبير ؛ لأن الإنسان بقدراته العقلية وإمكانياته المتعددة وعواطفه وأحلامه وأفكاره ليس له حدود يقف عندها ، كما أنه بتركيب...
قراءة الكل
المقدمةهناك عبارة تتردد على ألسنة الناس وعلى أقلام بعض المفكرين والكتاب سواء الذين يبحثون في الإنسان أو عند الصوفيين ، وهي قولهم : (الإنسان عالم قائم بذاته). وعندما نمعن النظر في هذه العبارة نجد أنها صحيحة إلى حد كبير ؛ لأن الإنسان بقدراته العقلية وإمكانياته المتعددة وعواطفه وأحلامه وأفكاره ليس له حدود يقف عندها ، كما أنه بتركيبه الجسماني المعقد والمعجز غاية الإعجاز في كل عضو فيه ، بل في كل خلية من مليارات الخلايا التي تشكله كان وسيبقى يبهر كل من يفكر في أية ناحية من نواحي حياته ووجوده ونشاطاته غير المحدودة . ويبرز النشاط الجنسي عند الإنسان كسمة تلفت النظر وتستوقف العقول بما لها من تأثير بالغ على الكائن البشري في كل نواحيه الجسمية والنفسية وعلاقاته مع غيره من البشر بل ومن الكائنات الأخرى . ويتناسب ذلك التأثير مع مركزية هذه الغريزة في حياة الإنسان لأنها وسيلة التكاثر عند البشر وعند غيرهم من المخلوقات ، فهي إذن وسيلة استمرار الأجناس والأنواع كلها وفي مقدمتها البشر.ولا شك أن الإنسان يختلف عن الكائنات الأخرى في كونه أرقى منها بكثير ويملك ما لا تملك من القدرة على التفكير والإرادة والتحكم في شؤون حياته ، وبناء على ذلك فإنه يقدّر (أو يقيّم) الأمور ويضعها في نصابها وفي مكانها الصحيح ، ويملك من القوانين والقواعد ما لا يملكه أي كائن آخر ، رغم أن لكل جنس أو فصيل من الكائنات الحية طقوسه وعاداته المتناسبة مع طبيعته . ومن أهم ما يميز الإنسان امتلاكه الإرادة الواعية وقدرته الكاملة على التخيل والتفكير ورسم الخطط وتحديد الأهداف أو الغايات ، وتحديد الوسيلة أو الوسائل الموصلة إليها . فالغاية هي الهدف ، والوسيلة هي الطريقة الموصلة إلى الهدف ، ومعنى ذلك أن الإنسان يحدد هدفاً معيناً ثم يحاول الوصول إليه بوسيلة واحدة أو بمجموعة من الوسائل تؤدي إلى تحقيق الغاية المنشودة . وتكون الوسيلة واضحة في ذهن الإنسان كوضوح الغاية التي يسعى إلى تحقيقها ، والتي تكون محددة ومستقرة لا ينتقل منها عابراً ، بل ربما أقام فيها بانياً أو منشئاً أو فاعلاً لأي شيء يريده هو ، أو يرى أن من واجبه فعله ، ويعتقد أن فيه سعادته أو سعادة غيره من البشر .وهذا الوصف الذي أوردناه هو الفطرة التي فطر الله المخلوقات عليها ؛ فالحيوان يسلك سبيلاً معيناً للوصول إلى هدف أو غاية معينة قد تكون الغذاء وقد تكون التزاوج وقد تكون الكهف أو الغابة التي يستريح فيها ، فهنا إذن وسيلة وغاية . والإنسان بطبيعة الحال أشد تعقيداً من أي كائن آخر في وسائله وغاياته ، فالرغبات البشرية المتعددة يمكن أن تكون كل رغبة منها غاية في حد ذاتها ، أو كل طموح أو حلم يحلم به يمكن أن يكون غاية في حد ذاته . وكما تتعدد الغايات تتعدد الوسائل . ونحن ندرك تماماً أن هناك غايات مشروعة أو فيها الخير ، كما أن هناك غايات فيها الشر وعدم المشروعية من ناحية أخلاقية أو دينية ، حتى وإن كانت كل غاية لها وسيلة أو أكثر يمكن أن توصل إليها . ورغم هذه الحقيقة ـ وهي وجود الغايات الخيّرة والشرّيرة ـ إلا أن هناك حقيقة أخرى أكثر خطورة وأهمية منها وهي انقلاب الغاية إلى وسيلة أو انقلاب الوسيلة إلى غاية . وهذه الحقيقة أكثر خطورة من حقيقة وجود الغايات الخيرة والشريرة ، لسبب واضح ، وهو أن وجود الخير والشر شيء فطري محايد . ولكن الخطورة تكمن في تفعيل هذا الوجود ونقله إلى دائرة التأثير في حياة الإنسان الذي يمكنه ممارسة الخير أو ممارسة الشر ضد غيره، وأحد أساليب ممارسة الشر هو قلب الغاية إلى وسيلة أو العكس وهو شيء من عمل الإنسان الشرّير ، الذي يتعمد مخالفة طبائع الأشياء وحقيقتها النقية . ولتوضيح هذين الانقلابين الشاذين يمكننا أن نعطي مثالاً على كل منهما ، المثال الأول عن انقلاب الغاية إلى وسيلة : فنحن نعلم أن الله خلق الإنسان وجعله أفضل الكائنات واستخلفه في الأرض ، وذلك بنص القرآن الكريم. ولذلك فلا يجوز أن نجعله وسيلة ، لأن هذا امتهان لإنسانيته ونزول به إلى مرتبة الأشياء أو الحيوان ؛ فاتخاذ الإنسان وسيلة للغنى (كأن يباع ويشترى مثلاً بصفته عبداً) عمل شاذ وغير طبيعي كما أنه غير أخلاقي ، ولهذا فلا يرضى به الله الذي كرّم الإنسان ، فالعبودية إهانة تخالف ذلك التكريم بل تنفيه. ولهذا السبب حاربها الإسلام أيضا (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟). وعلى هذا المثال يمكن أن نقيس . والمثال الثاني عن تحويل الوسيلة إلى غاية في حد ذاتها : إذ من المعروف أن جمال المرأة يجذب إليها الرجال ، ولذلك فإن جمالها (وسيلة) جذب طبيعية تؤدي إلى جذب الرجل الذي يتزوج بالمرأة من أجل إنجاب الأولاد (الجيل الجديد) ، وهذا تدبير الخالق الحكيم من أجل عمارة الأرض واستمرار النسل . ولكن عندما يتحوّل جمال المرأة إلى غاية في حد ذاته فتضحّي بكل شيء للمحافظة على هذا الجمال ، فإن هذا وضع غير طبيعي يدل على الشذوذ والخروج عن الفطرة السليمة ، كما أنها تكون على استعداد لاستثماره في جذب الرجال للمتعة الجنسية أوالفائدة المادية ، ولا تريد أكثر من قولهم لها بأنها جميلة جداً ، فإطراء جمالها الدائم هو غاية الغايات عندها . وشبيه بهذا أن يتحول (المال) إلى غاية في حد ذاته بدلاً من كونه مجرد وسيلة للحياة . وأحياناً يمكن تحويل الوسيلة عن الغاية الطبيعية التي ارتبطت بها في حياة الإنسان ، حيث يتم توظيفها لتحقيق غاية أخرى شاذّة أو غير شرعية ؛ فالمرأة (الجميلة) التي تجعل من جمالها وسيلة لكسب المال تتحوّل إلى بغيّ (مومس) بدلاً من أن تكون زوجة جميلة صالحة شرعيّة.ومن هنا ندرك مدى الخطورة التي تشكلها مثل هذه الممارسات ، وكم لها من ضرر بالغ على من يقومون بها أو من يشاركهم ومن يسكت عليهم ، كما ندرك أيضاً حكمة التشريع الإسلامي في عدم الموافقة على ما يزعمه عبيد الحضارة المادية الوثنية وهو أن الإنسان يملك جسده كما يملك أي شيء آخر ، وأنه يحق له عمل ما يشاء في نفسه كأن يبيع نفسه أو جزءاً من جسمه ، أو أن ينتحر أو يمارس ما يشاء . وحسب زعمهم فإن جمال المرأة موهبة لها ، ومن حق صاحبته أن تستغل هذه الموهبة بالصورة التي تختارها ، بغض النظر عن الأخلاق أو الدين حتى لو تاجرت بجسدها فهذا شأنها وحدها !واللافت للنظر أن مسألة استغلال المرأة لجمالها يأخذ ألواناً عديدة من السلوك في مجالات الحياة التجارية والسياسية والاجتماعية ، بل حتى في مجال الحياة الثقافية . ولعل أخطر مجالين من هذه المجالات (وكلها في الحقيقة خطيرة) هما المجال الثقافي والمجال السياسي، وتكمن خطورة المجال الثقافي في كونه مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالمجال الاجتماعي ؛ بمعنى أن السلوك الذي تتكرر ممارسته داخل المجتمع يتحول إلى عادة اجتماعية وفي الوقت ذاته يصبح بمثابة (قيمة) أو تقليد له جذوره في العقل الجمعي وفي النهاية يخشى من أن يصبح واحداً من (مفاهيم الثقافة التقليدية) ، مع الاعتراف أن هذه المفاهيم لا تأخذ وضعها النهائي إلا بعد مرور سنوات من الممارسة المتواصلة إذا لم تتم محاربتها . أما المجال السياسي فهو أكثر وضوحاً من المجال الثقافي والاجتماعي من حيث إن المرأة تكون أقوى تأثيراً على السياسيين ، وبالتالي على قراراتهم التي يتعلق بها مصير البلاد بأسرها ، فكم من زعيم سياسي أغوته امرأة بجمالها ونفوذها عنده وجعلته ألعوبة في يدها ! وإذا كان التاريخ يذكر كليوباترة ويذكر (روكسلانة) زوجة سليمان القانوني العثماني ، ويذكر تأثير المرأة على هنري الثامن ملك إنكلترا ؛ ذلك التأثير الذي جعله يخرج على الكنيسة ويغير مذهب الدولة من كاثوليكي إلى بروتستانتي ، ويذكر ماري أنطوانيت ولويس الرابع عشر ، ويذكر ملك انكلترا الذي تنازل عن عرشه من أجل الزواج من امرأة أحبها ؛ فإن هذا وأمثاله ليس إلا قمّة جبل الجليد التي تراها العين ، وما تحت الماء أو وراء الستار أعظم بكثير من الظاهر . ولنا من أدوار النساء في زمننا الحاضر أكبر دليل على ما نذهب إليه من تعاظم أدوارهنّ في رسم سياسات كثير من الدول، إن لم يكن بالكفاءة والاستحقاق فبمعيار آخر هو معيار الجمال والإغراء وبأسلوب خفي يدركه كثيرون ويجزمون به .حاولنا في هذا الكتاب أن ندخل إلى صميم الحياة الجنسية عند الإنسان مستخدمين في ذلك الأدوات البشرية المعتادة من التفهم والتفكير والتحليل ومناقشة الموضوعات المتعددة الداخلة في هذا السياق ، بعد أن طالت مشاهدتها ومراقبتها ومعايشتها بشكل يومي ، بل ساعة بساعة ولحظة بلحظة ، وبعد أن أصاب العالم ما أصابه من هزات وثورات عديدة متلاحقة غيّرت - بل قلبت - كثيراً من القيم والعادات والتقاليد والمفاهيم في مجال الحياة الجنسية عند كل البشر ، وفي مجتمعاتنا العربية والإسلامية التي تتمسك بالعفة والحياء وترتقي بغرائزها إلى مراتب الأطهار والأبرار . وكانت (ثقافة الصورة) بوسائلها المتعددة (كالتلفزيون والإنترنت والهاتف المحمول والكمبيوتر) هي الثورة الشاملة والحاسمة التي يعتبر كل جزء من مكوناتها ثورة قائمة بذاتها، فمثلاً أليست الإنترنت ثورة في حد ذاتها ؟ أليس الهاتف المحمول ثورة أخرى هائلة ؟. وقد سميناها (ثورة ثقافة الصورة) وهي تشمل كل الوسائل التي يتم بها نقل الصورة والخبر والمعلومة .يقع الكتاب الحالي في تسعة فصول وخاتمة ، بدأ بالفصل الأول الذي حاولنا فيه رسم بعض الخطوط الأساسية الهادية ، فكان لا بد من (التعريف بالمصطلحات) التي سيجري استخدامها في هذا الموضوع ؛ فقدّم الفصل تعريفاً بمصطلحات (الغريزة ، الجنس والجنسية والجنسانية ، الموضوعية وعلاقتها بالذاتية ، القيمية ، القيمة والقانون، بين الموضوعية والذاتية والقيمية). وتم التعريف بهذه المصطلحات، لأن مقتضيات البحث تستوجبها، فهو (بين الموضوعية والقيمية) . ثم دخلنا مباشرة إلى الفصل الثاني لنبحث في (الغريزة الجنسية عند الإنسان) ، وآثار تلك الغريزة عليه جسمياً ونفسياً سواء عند الذكور أو عند الإناث . أما الفصل الثالث فقد اهتم بالحياة الاجتماعية وأثر كل من الجنسين في تكوين الأسرة والمجتمع ، وكان هذا الفصل مدخلاً إلى عالم القيم أيضاً ، لأن القيم لا يمكن أن تنفصل عن حياة الإنسان خصوصاً عندما يتعامل الناس مع بعضهم ، فنشوء القيم مرافق لنشوء الإنسان الاجتماعي الذي يرتبط بمن حوله من البشر . وقد التفت هذا الفصل إلى تطور القيم مع تطور الحياة الاجتماعية من الأسرة إلى الجماعات القرابية إلى القبيلة إلى المجتمع . أما الفصل الرابع فقد كان وقفة مع (الجنس في التراث) ، حيث تكلمنا عن علاقة الرجل بالمرأة في الأدب بشقيه الشعر والنثر ، وفي الفقرة الثانية بيّنّا موقف الدين الإسلامي من الجنس وحياة الإنسان الجنسية ، وفي الفقرة الثالثة تكلمنا عن الجنس في التراث الشعبي الشفهي المتداول بين الناس كالأمثال والقصص والأغاني الفلكلورية وغيرها . وجاء الفصل الخامس ليلقي الضوء على (القيم والعلاقات الاجتماعية والجنسية في المجتمع المعاصر) ، حيث بيّن أن الإنسان تتنازعه قوتان هما الفاعلية الحيوانية والفاعلية الروحية . وقد بيّن الفصل أيضاً صفات القيم الحقيقية كما نفهمها ، وقارنها بالقيم العملية في المجتمع المعاصر . وتكلم عن علاقات الرجل بالمرأة وأهميتها في حياة الأفراد والمجتمعات الإنسانية ، وعن واجب السياسة الاجتماعية الرشيدة في رعاية وترشيد هذه العلاقة الأزلية .وانتقل الفصل السادس إلى بحث طغيان الممارسات الجنسية على المجتمع المعاصر, وبين الفصل ما هو المقصود بكلمة (ممارسات) في تصحيح لمفهومها وما تتضمنه من إيحاءات ، كما ربط بين ما يدور في المجتمعات المعاصرة من إباحية وعري عند أصناف معينة من النساء وبين ما يمر به العالم من تطور علمي مذهل في مجال الاتصالات والمواصلات والمعلومات ، وهو التطور الذي أسفر عن وجهه بأنه موجّه توجيهاً انحلالياً لا قيميّاً ولا دينياً، تسيطر عليه مراكز قوى عالمية اقتصادية وعلمية وتريد تحقيق ما يسمونه (العولمة) على طريقتهم هم في السيطرة والقضاء على الخصوصيات الوطنية والقومية من الثقافة والقيم والمعتقدات لدى الشعوب الضعيفة بشكل خاص . كما بين الفصل (أثر الجنس ـ الذكورة والأنوثة ـ على التصرفات الفردية والجماعية) في الحياة اليومية العادية وفي الأحوال الطارئة . وإذا كان الفصل السادس قد اهتم بالناحية النظرية من القضية ؛ فإن الفصل السابع اهتم بما (على أرض الواقع الحي) من أسباب الإثارة الجنسية : من مشاهد في الشارع ، وفي وسائل الإعلام ، وفي الدعايات التجارية التي تروّج لأشياء عديدة مستخدمة جسد المرأة كوسيلة لذلك الترويج . وأما الفصل الثامن فكان وقفة تأنٍّ وتأمل وتساؤل : (العالم في ضوء القيم والممارسات الحالية ، إلى أين ؟ ) . وقد حلل الفصل الأوضاع وأجاب على تساؤلات أهمها : هل يمكن استمرار هذه التغيرات ، وبالتالي هل يمكن استمرار تدهور الأوضاع ؟ ولو استمر الوضع الحالي فما هي النتيجة التي يتجه إليها العالم ؟ . كما تطرق الفصل إلى الفكرة الشائعة عن وجود مؤامرة استعمارية صليبية مستمرة ضد العرب والمسلمين ، فبحث فيها وانتهى إلى نتائج على ضوء التحليل الواقعي والتاريخي . ثم تساءل في الفقرة الأخيرة : هل هناك إمكانية لإيقاف هذا التدهور المعاصر في الوطن العربي وفي العالم الإسلامي على الأقل؟ وفي الفصل التاسع والأخير جرى بحث (فلسفة الجنس في الإسلام ـ الزواج كنموذج حضاري) ، فتساءل في الفقرة الأولى : ما المقصود بفلسفة الجنس ؟ وهل للجنس فلسفة ؟ . ثم بيّن كيف يجب أن نفهم الجنس في ضوء الإسلام . وقد عرض الفصل هذه النقاط بشكل تحليلي يخاطب العقل ولا يبتعد عن الواقع ، في محاولة للإبقاء على نقطة مهمة في الذهن وهي ضرورة أن يكون الفكر متفاعلاً مع الواقع الحيّ لا متعالياً عليه ولا متجاهلاً له . وللتأكيد على هذه النقطة أورد الفصل نبذة عن الزواج الإسلامي كنموذج واقعي حضاري سامٍ يتم في ظل الإسلام وطبقاً لتعاليمه التي تتسامى بهذه الغريزة من مرتبة الحيوانية إلى مرتبة الرحمة والنسب والمصاهرة والمحبة والتعاون ، وهو الأمر الذي يوفر الصحة النفسية والجسدية للأجيال الجديدة . ثم أخيراً بيّن الفصل أن الفطرة البشرية على المحك ، وهي في مهب الريح إذا تمادى الإنسان في الابتعاد عن القيم الفاضلة ، قيم الخلق الرفيع والعفة والتسامي بالغريزة ، لأن التمادي في الانحلال والشذوذ والممارسات الحيوانية يؤدي إلى مصير واحد محتوم هو الدمار ، وما ذلك بغريب ولا بعيد ؛ فالأمراض الجنسية كالإيدز والإيبولا وغيرها من البلاء نماذج لما يمكن أن يطرأ من آفات وأوبئة ، عدا عن الآفات النفسية التي تنتج عن هذه الممارسات الإباحية ، وعدا عن اللقطاء والفضائح المخزية... وكل هذا بسبب فقدان الضوابط والحدود التي يقف عندها الإنسان بوعي حقيقي ، لأن الحرية المطلقة بدون حدود ليست هي الحرية الحقيقية ، بل هي الفوضوية الشاملة ، وإن فقدان المنهج ناتج عن فقدان الإيمان الذي يؤدي إلى التيه والضياع والاغتراب . وبعد ، فقد حاولنا في هذا الكتاب تقديم رؤية حول موضوع من أهم المواضيع التي تمس حياة كل إنسان ذكراً كان أو أنثى ، لأنه مرتبط بوجوده على هذه الأرض . وكان الدافع إلى ذلك هو الشعور بأن كثيراً من الأمور ومن الأشياء تسير بسرعة البرق وتتغير بطريقة مذهلة وغير صحية ، فكان لا بد من قول شيء أو فعل شيء . ومعروف أن المسائل الثقافية والعادات الراسخة والقيم لا تتغير في يوم وليلة ، ولذلك فلا أنتظر أنا أو غيري أن يكون كتاب واحد كافياً لتغيير شيء ، ولكن لو شعر كل إنسان بمسئوليته في هذا الجانب ، من موقعه مهما كان ، وعمل شيئاً فإن عمله سيكون له دور في الحصيلة النهائية كما يكون لكل حجر صغير مكانه في بناء صرح كبير ؛ فالأب ينبّه أولاده والأم تعلمهم وتربيهم ، والمعلم والواعظ ورجل الإعلام وغيرهم ، يستطيع كل منهم أن يكون له دور في التوعية في أي موضوع يهم الناس . ونحن أمة لاشك أنها مستهدفة في أرضها وفي خيراتها وفي عقيدتها وفي كل شيء تملكه ، ولهذا يجب علينا أن نكون أقوياء واعين بما حولنا لكي نضمن استمرار وجودنا كرماء في أوطاننا . ومن يعمل بضمير مخلص فإنه يكون قد أسهم في تحقيق هذا الهدف النبيل ، وإن الله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من عمل صالحاً ، كما أن الزمان لن يستطيع طيّ صفحة تكتبها الأفئدة والعقول المخلصة بحرارة إيمانها وبقوة إرادتها وتصميمها على الحياة مهما كان عدوها متجبراً وظالماً . ولي أمل أن يكون ما يعرضه هذا الكتاب المتواضع خطوة في هذا الاتجاه . وأرجو الله أن يعيننا على قول الحق وعمل ما فيه الخير والسداد وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم إنه نعم المولى ونعم النصير . حسن منصور