موجة نيلية بنيّة اللون رهيبة عالية علو الجبال تهجم من الشمال تُقلّب في لجّاتها بيوت قرى قبائل الكنوز التي مرت عليها بناسها وبهائمها ونخيلها وأشجارها فاقتلعتها اقتلاعًا فيبدون وكأنهم لعب أطفال ضئيلة قزمة وسط الموجة المائية الهائلة ذات الزبد الأصفر والتي تفور أكثر وأكثر. وكلما اقتربت ازداد مع اقترابها الهدير المدمدم مِنْ حشود النا...
قراءة الكل
موجة نيلية بنيّة اللون رهيبة عالية علو الجبال تهجم من الشمال تُقلّب في لجّاتها بيوت قرى قبائل الكنوز التي مرت عليها بناسها وبهائمها ونخيلها وأشجارها فاقتلعتها اقتلاعًا فيبدون وكأنهم لعب أطفال ضئيلة قزمة وسط الموجة المائية الهائلة ذات الزبد الأصفر والتي تفور أكثر وأكثر. وكلما اقتربت ازداد مع اقترابها الهدير المدمدم مِنْ حشود الناس المرتعبة يحاولون الفرار، يصرخون مستغيثين ولا من مغيث. تجتاح الموجة المرعبة قرية (توماس) في دوي هائل. وبضربة ماحقة ساحقة تقتلع القرية بما عليها من ثابت ومتحرك. يجد العمدة (ليلاب) نفسه وقد قُذف في زبد وفقاقيع يطاح بجسده عاليًا عاريًا في دوائر حلزونية، يصل لذروة الموجة ورأسه لأسفل يلمح ما جرى ويستوعبه في لحظة. الجبال المتوسطة العلو غريقة والهضبة العالية البعيدة تحوي واديًا فسيحًا يطل على البحيرة الممتدة التي تتشكّل من مياه الطوفان. ناس القبيلة يغرقون وحمارته جاحظة العينين تستغيث وهي تختفي بين الأمواج. حفيده الصبي يتشبث بشعر جدته لأمه والتى فارقت الحياة من مواسم طويلة. والقرى جنوب توماس (جَتّة وإبريم وعنيبة) بينهم وبين اكتساح الطوفان لهم لحظات. يتقلب جسد ليلاب ساقطاً وسط خضم الموج وصدره يمتلئ بالماء. يشرق يختنق يحاول أن يستغيث بالخالق اللطيف لكنه لا يستطيع النطق. يصدر همهمة يائسة. يزداد جسده تشنجًا وهو يحاول أن يحرك نفسه. لحظات عذاب حتى ينجح في التقلب على جانبه فيخرج من الكابوس الوحشي لاهثًا مبللاً تمامًا بالعرق. يجلس مرددًا: يا حفيظ يا رب يا لطيف يا رب