«الإخوان المسلمون وأزمة الحكم» (2013)، كتاب بالغ الأهمية من تأليف د.جهاد عودة، الذي يقدم تحليلا مفاهيميا وسياسيا واستراتيجيا مدعما بالوقائع، بدءاً من تحليله لمفهوم السلطة في نظر الإخوان، وأسلوب الدعوة الدينية، مع التركيز على دور حسن البنا، المؤسس والمنظّر للجماعة التي شاركت في الانتخابات المصرية عام 1942، والآليات والأساليب التي...
قراءة الكل
«الإخوان المسلمون وأزمة الحكم» (2013)، كتاب بالغ الأهمية من تأليف د.جهاد عودة، الذي يقدم تحليلا مفاهيميا وسياسيا واستراتيجيا مدعما بالوقائع، بدءاً من تحليله لمفهوم السلطة في نظر الإخوان، وأسلوب الدعوة الدينية، مع التركيز على دور حسن البنا، المؤسس والمنظّر للجماعة التي شاركت في الانتخابات المصرية عام 1942، والآليات والأساليب التي انتهجتها جماعة الإخوان منذ نشأتها إلى الآن للوصول للسلطة، وحقيقة التوسع الكبير لنشاطها، وتوظيفها المال لخدمة مصالحها الحزبية تحت غطاء ديني.عودة العسكريين للحكم المباشريرتكز الكتاب على سبعة فصول، الفصل الأول يحمل عنوان «عودة العسكريين إلى الحكم المباشر»، حيث يسرد الكاتب أن العسكريين المصريين حكموا بشكل مباشر مرتين في مصر المعاصرة، الأولى إثر انقلاب الضباط الأحرار في 1952 (خلال الفترة 1952 – 1958)، والثانية، إثر تخلي الرئيس مبارك عن الحكم وتسلم الحكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة منذ 11 فبراير 2011، ووضع المجلس العسكري خطة لتسليم الحكم للسلطة المدنية في 2013.ويتناول الكاتب اتهامات لخبراء وسياسيين للمجلس العسكري في مصر، بحماية اثنين من أبرز معاوني الرئيس المخلوع حسني مبارك، وهما نائبه اللواء عمر سليمان ورئيس وزرائه الفريق أحمد شفيق، عبر طرحهما في استطلاع أجراه الجيش حول حظوظ مرشحي الرئاسة.ويحرص الكاتب في كتابه على الرسالة التي وجهها المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 22 يونيو 2011، والتي نصَّت على التزامه باستكمال تحقيق آمال وطموحات الشعب للوصول لدولة مدنية، ودعم ومتابعة الأجهزة الأمنية في مهمتها لاستعادة أمن الوطن والمواطنين، ومحاسبة كل من يثبت تورُّطه في جرائم الفساد، والتزامه بحرية الرأي والتعبير بكافة وسائل الإعلام، ويدعم مشاركة الشباب وانخراطهم في الحياة السياسية، من خلال تشكيل الأحزاب التي تعبّر عن توجهاتهم ورؤيتهم.. الخ.الأزمة الممتدة في مصر.. الإشكاليةويستدرك الكاتب في الفصل الثاني بقوله ان الدولة والمجتمع المصريين عانتا تفاوتا مجتمعيا واسع النطاق يصعّب من فكرة صنع السياسات العامة وإدارة الإصلاح الشامل، والمشاهد التالية تظهر كأزمات إصلاحية:1 – ازدياد الاعتماد على الأمن العام في إدارة أزمات المجتمع، وهذا يضعف من الفاعلية الأمنية العامة على المديين المتوسط والطويل، ويثقل كاهل الأمن بأعمال ليست من طبيعة اختصاصهم وتدريبهم الوظيفي.2 – ازدياد اللجوء إلى الحلول العرفية، والتي هي بطبعها جزئية، ولا ترسي نمطا محددا للتعامل مع الأزمات، بل تشجع على الحلول الوقتية، الأمر الذي يساعد على استفحال الأزمات وعدم القدرة على الحل.3 – ازدياد الفساد ونمو التجمعات العصابية في المجتمع والدولة، فيلجأ الأفراد إلى الاحتماء بالتكوينات العصابية، بسبب غياب مفهوم الدولة القانونية، وغياب فكر الإصلاح.4 – زيادة التمرد الاجتماعي والغضب الشعبي والفئوي، وانهيار النمط العام للضبط المجتمعي للدولة والمجتمع.نموذج الحرب الداخلية والحالة المصريةفي الفصل الثالث يتحدث المؤلف عن الحرب الداخلية في مصر، ومستقبل الدولة المدنية الديمقراطية قبل إعلان انتخاب الرئيس محمد مرسي، فيرى أن توازن الإرادة العامة للدولة (الشعب والحكومة والمؤسسة العسكرية)، وليس الإرادة الفردية للحاكم، هو ما يعني التوازن الشامل للدولة، ويعكس توازنا بين ثلاث قيم أساسية من دون ترتيب، وهي:1 – العدل الاجتماعي.2 – الديمقراطية المدنية والسياسية.3 – الأمن القومي، لضمان مسيرة التقدم للمجتمع. ويؤكد أن الإخلال بأي من هذه القيم الأساسية الثلاث أو الإخلال بالتوازن الدقيق الذي يجب أن يقوم بينها كفيل بتهديد المصالح القومية العليا وتمزيق النسيج المجتمعي للوطنوالقيم الأساسية الثلاث هي جوهر توازن المصالح الوطنية، وتتشارك الإرادات الثلاث الأساسية معا في مسؤولية تحقيق هذا التوازن، وحدوث حالة عدم التوازن يتطلب محفزات أو تغيرات داخلية وخارجية مؤثرة، وتتعدد أشكال هذه التغيرات، فقد تكون سياسية أو اقتصادية مؤثرة في أداء وتوجهات النظام السياسي بشكل هيكلي، أو حدوث انقلاب عسكري أو حدوث ثورة شعبية.ديناميات الأزمة الأمنية العميقةوفي الفصل الرابع يسترسل الكاتب بوصف الأزمة العميقة (مصر قبل 24 أغسطس 2012)، باعتبارها صورة من صور الأزمة الاستراتيجية، فالأزمة الأمنية العميقة، هي أزمة مرتبطة في الأساس بالقدرة على السيطرة، حيث إن السيطرة هي وظيفة أساسية من وظائف علاقة الدولة بالمجتمع، أي أن هناك علاقة تبادلية بين وظائف سيطرة الدولة وحالة الرضا المجتمعي.ويذكر الكتاب ما تعَّرضت إليه مصر من أزمة أمنية عميقة، تمثلت في الهجوم على السجون العمومية واقتحامها أثناء الثورة 25 يناير – 11 فبراير 2011، وأدارت وساعدت على الهجوم قيادات إخوانية محلية ودولية، فتم فرار قيادات عليا من الإخوان، مثل عصام العريان ود.محمد مرسي، كما تم فرار قيادات من حماس وحزب الله من سجن وادي النطرون، وهناك اتهامات واضحة لجماعة الإخوان المسلمين بالضلوع في الهجوم على أقسام الشرطة خلال أحداث الثورة وتهريب المساجين، بمن فيهم كوادر الجماعة. واستعانوا بمكالمة أجراها د.محمد مرسي مع قناة الجزيرة مباشر خلال الأحداث، قال فيها إن «الداخلية» لم تفتح السجون، وإن الأهالي هم من ساعدوهم على الخروج، وصاحب ذلك الهجوم المنظم على أقسام الشرطة وحرقها وسلب محتوياتها من سلاح وذخيرة، وسادت حالة من الارتباك في العاصمة فور انسحاب قوات الأمن في الشوارع والميادين وقيام ميليشيات الإخوان وبعض الجنائيين الحاليين بهجوم على أقسام ونقاط الشرطة على مستوى الجمهورية للهجوم والإحراق ونهب محتوياتها وتهريب السجناء والمحبوسين.وعاشت مصر أزمات متلاحقة ومتتالية، ومن وجهة نظر الكاتب، فإن هذه الأزمات تتسم بنجاح ملحوظ في إدارة جوانبها الأمنية وفشل كبير في إدارة جوانبها السياسية، ويقصد بالنجاح استعادة النظام العام وتدعيمه بشكل مؤسسي من الجانب الأمني، فيما يشير الفشل إلى استعادة الاتزان داخل النظام السياسي بشكل يقوم بتدعيم الشرعية السياسية القائمة، أو تصحيح الشرعية القائمة أو بناء شرعية جديدة.ويوضح المؤلف د.جهاد عودة وجهة نظره بأن استعادة الاتزان في جوهره مسألة مرتبطة بالاستيعاب والتفاوض السياسي، ويلاحظ أن الفشل السياسي يصعب ويعقد عمليات استعادة النظام العام، أي أن درجة الفشل في استعادة الاتزان السياسي ترفع من تكلفة استعادة النظام والأمن العامين، فمع ازدياد حدة عدم التوافق السياسي بشأن السياسات العامة ربما يؤثر ذلك بشكل متصاعد حتى يصل إلى مستوى عدم الكفاءة في استرجاع النظام والأمن العامين.واعتبر عودة مؤسس وعضو التحالف المدني الديمقراطي، ثورة أغسطس السلمية 2012 باعتبارها الموجة الثانية من الثورة المدنية التي بدأت في 25 يناير 2011، حيث يرى أن ثورة 24 أغسطس 2012 تهدف إلى أربعة أهداف كبيرة، هي:-1 إيقاف اختطاف الحياة السياسية من جانب الإخوان.-2 استكمال الأهداف العليا المدنية لثورة 2011.3 – الحفاظ والدفاع على الحريات العامة المدنية.4 – تأسيس دستور مدني يعلي القيم المدنية الديمقراطيةووصف الكاتب الإخوان بأنهم فرقة سياسية، وليست مهيمنا سياسيا، معتبرا أن ثورة أغسطس السلمية قامت بسبب إصرار الإخوان على مصادرة الحياة السياسية والاجتماعية، وليس بسبب غضب طائفي، بل غضب مدني قام به مسلمون وأقباط ضد الاستبداد المذهبي، سواء الإسلامي أو المسيحي.الثورة المدنية مستمرة بعد انتخاب مرسيالصراع على صياغة إعادة مفهوم الأمن القومي المصري بعد انتخاب رئيس الجمهورية المصري محمد مرسي – مصر قبل سبتمبر 2012.. هذا ما عنونه الكتاب في فصله الخامس .ويحدد المؤلف أن الصراع في مصر يحتدم بين القوى الثلاث الأساسية التي تكوّن هيكل التوازن الوطني، وهي الشعب، ممثلا في قواه المدنية والاجتماعية والثقافية، والنظام السياسي، والمؤسسة العسكرية، لإعادة صياغة مفهوم الأمن القومي ومكانته في هيكل المصالح الوطنية المصري.ويحلل الكتاب الافتراضات والمعطيات، وما يرتبط بمحاولة إعادة صياغة هيكلية لمفهوم الأمن القومي المصري، بعد انتخاب رئيس الجمهورية المصري محمد مرسي، ممثلا لتيار الإخوان المسلمين.ويسرد الكتاب مظاهر التوجهات الاستراتيجية الداخلية للنخب الحاكمة والقرارات السياسية للرئيس محمد مرسي منذ لحظة توليه رئاسة الجمهورية .ويتحدث عن العلاقات المصرية – الإيرانية، والعلاقات المصرية – القطرية، والعلاقات المصرية – الأميركية، والتخطيط لاستثمار قناة السويس في سياق مفهوم الأمن القومي المصري.عهد الإخوان المسلمينوفي الفصل السادس يتناول د.جهاد عودة مستقبل الدولة المصرية في عهد الإخوان المسلمين، حيث احتدام الصراع على بناء النظام، وممارسة التيار السياسي الإسلامي لسلطته بشكل مطلق في إدارة الدولة المصرية، ما أدَّى إلى تنامي إدراك التيار المدني بتهديد وجوده السياسي، هذا الإدراك للتيارالسياسي المدني أدَّى إلى تفعيل سيناريو صراع للبقاء، من أجل بناء الدولة المصرية المدنية.الديمقراطية الحديثةهذا التجاذب أدَّى في النهاية إلى تدخل القوات المسلحة، بعد أحداث قصر الاتحادية الدامية، فالإشكالية في بناء الجماعة السياسية، هي أن جماعة الإخوان المسلمين وهي تصارع لبناء النظام السياسي في مصر تصارع من أجل بناء القوة الدائمة الإخوانية المصرية، فتكون الموارد المصرية موارد إخوانية وتكون السياسة المصرية سياسة إخوانية، ويكون الاقتصاد المصري اقتصادا إخوانيا، ويكون الجيش المصري جيشا إخوانيا.والفرضية، كما يراها الكتاب، أنه كلما زادت درجة نجاح الإخوان المسلمين في إجبار القوة المعارضة على الانطواء في سياق الهياكل التنظيمية للدولة، زادت الفرصة في تحول مصر إلى الدولة الدينية الإخوانية.ويستدرك الكتاب، أنه كما فقد الإخوان المسلمون مجلس الشعب في لحظة، يمكن أن يفقدوا الرئاسة والدستور ومجلس الشورى في لحظة، عندما يخطئون سياسيا، ويحولون الجيش إلى معارض سياسي، وعندما يفقد الجيش الثقة والأمان في استمرار الإخوان المسلمين في السلطة، وعندما ينسى الإخوان الانتماء المصري.العلاقات المصرية -الأميركيةوفي الفصل السابع والأخير يتناول الكتاب مستقبل العلاقات المصرية الأميركية، بعد تغيير النظام السياسي المصري في ضوء تعديل أميركا لاستراتيجيتها نحو منطقة الشرق الأوسط.حصاد الإدارة الأولى لأوباماويتوقع الكاتب أن تتأثر شبكة العلاقات الدولية بين مصر والولايات المتحدة الأميركية، بسبب التغييرات الاستراتيجية الجارية الآن للسياسة المصرية في منطقة الشرق الاوسط وتجاه الولايات المتحدة الأميركية، والجانب السياسي الإقليمي الذي يربط بين المستوى السياسي الوطني والمستوى السياسي الدولي للقوى العظمى.