هو أبو عثمان بن بحر، بن محبوب، الكتاني الفقيمي. لقب "بالجاحظ" أو "الحدقي" لجحوظ عينيه، أي نتوئهما. وكان هذا اللقب لا يعجبه على ما يظهر، فيتبرم بمن يدعوه به، ويجهد نفسه لكي يقرر في أذهان الناس أن إسمه "عمرو"، وأنه يحب أن يدعى بهذا الإسم، وأن إسم "عمرو" أرشق الأسماء وأخفها وأظرفها وأسهلها مخرجاً كان قصير القامة، دميم الوجه، يضرب ا...
قراءة الكل
هو أبو عثمان بن بحر، بن محبوب، الكتاني الفقيمي. لقب "بالجاحظ" أو "الحدقي" لجحوظ عينيه، أي نتوئهما. وكان هذا اللقب لا يعجبه على ما يظهر، فيتبرم بمن يدعوه به، ويجهد نفسه لكي يقرر في أذهان الناس أن إسمه "عمرو"، وأنه يحب أن يدعى بهذا الإسم، وأن إسم "عمرو" أرشق الأسماء وأخفها وأظرفها وأسهلها مخرجاً كان قصير القامة، دميم الوجه، يضرب المثل ببشاعته، لكنه كان خفيف الروح، حسن العشرة، ظريف النكات، يتهافت الناس إلى الإستمتاع بنوادره. ولد الجاحظ في البصرة حوالي سنة 160هـ/776م ومات فيها سنة 255هـ/869م. وكما عرف القرن الثامن عشر في فرنسا بقرن فولتيير، عرف العصر الذي عاش فيه الجاحظ، وهو الذي بلغت فيه الخلافة العباسية أوجها، بعصر المأمون، بل بعصر الجاحظ على حدّ قول بعضهم. إذ قلما عرف الأدب العربي، في مختلف عصوره، أديباً موسوعياً بلغ ما بلغه الجاحظ من غزارة في المادة، وجقة في التحليل، وعمق في النظر، وتنوع في مجالات الإبداع. كل هذه على بساطة في العرض، وطرافة في السرد، وظرف في الإستطراد، فلقد كان أبو عثمان رائداً فريداً لم تزد الأيام نتاجه الأدبي إلا قيمة. وهذا ما يفسر إقبال المستشرقين المطرد على دراسة آثاره، وفقدها، وترجمتها، وطبعها طبعات علمية، منقحة، مشروحة، مبوبة. كان معظم النتاج الأدبي قبل الجاحظ لا موضوع له، يدور في حلقات مفرغة، منمقة الحواشي من ألفاظ مرصوفة، أنيقة، على غير مضمون، فإذا بالجاحظ يشق طريقاً جديدة ساعده فيها إبن المقفع، فيجعل من الأدب مرآة المجتمع والحياة. فإذا كل شأن من شؤون الوجود يصلح مادة لقلمه، حتى القينة واللص، والجن، وجدت مقاماً في آثاره المنوعة بتنوع الأشياء والكائنات. من هنا تأتي هذه الدراسة والتي تمثل محاولة للرجوع إلى أول أديب ملتزم للتعمق في درس بحوثه، وصولاً لإستجلاء بواطنها، وإستيذاح مغازيها، والغنم من فوائدها على غير ضجر أو ندم. وقد شاء الباحث أن تكون دراسته هذه شاملة جامعة تتناول كل وجه من وجوه ذلك الأديب الموسوعي، مع الحرص على إظهار وحدة شخصيته من خلالها، وتبيان مدى التفاعل بينها، مستنيراً بنا قام به السلف من أعمال في هذا المجال مع إضافة لبنة على بنائه الوطيد. وهكذا قام بإفراد فصل خاص مستقل لكل ناحية من النواحي التي تميز بها الجاحظ، متوخياً فيه العرض والتحليل بوحي الموضوعية العلمية وهدي الأدب المقارن، إستكمالاً للفائدة عرف نماذج مختلفة مشروحة من مختلف نتاجه.