كان الدافع إلى إنجاز هذا الكتاب، هو احترامي للشعب الذي أبدع الأمثال وإعجابي بحسه العميق وحكمته الفطرية. فالآداب الشعبية إرث، يستحق منَّا أن نعتني به، نحفظه ونعمل على ديمومته. يرتكز منهج الكتاب على موازنة الأمثال الشعبية السورية بالأمثال العربية القديمة والمولدة والشعبية، وبالمثل الإنكليزي في بعض الأحيان. وقد اخترت الأمثال الشعبي...
قراءة الكل
كان الدافع إلى إنجاز هذا الكتاب، هو احترامي للشعب الذي أبدع الأمثال وإعجابي بحسه العميق وحكمته الفطرية. فالآداب الشعبية إرث، يستحق منَّا أن نعتني به، نحفظه ونعمل على ديمومته. يرتكز منهج الكتاب على موازنة الأمثال الشعبية السورية بالأمثال العربية القديمة والمولدة والشعبية، وبالمثل الإنكليزي في بعض الأحيان. وقد اخترت الأمثال الشعبية السورية بعناية لكي تخدم معاني الفصول، وصنفتها تصنيفاً موضوعياً ثم رتبتها على التسلسل الهجائي. فجاء تصنيفها على الأسلوبين معاً، النوعي والهجائي ليسهل على الدارسين عملية استقراء المثل واستخلاص مضمونه الفكري.وإذا كانت طريقة التصنيف النوعي صعبة ومعقدة لما تحتاجه من دقة في الاختيار وفهم لمرامي المثل ومدلولاته، إلا أنها تنشط الذهن وتنمي الذوق والإحساس بما يحمله المثل من معانٍ وأهداف. يتضمن الكتاب أمثالاً فصيحة شائعة بلفظها في المجتمع الأمي والمتعلم، وأبياتاً من الشعر تتناسب مع معنى المثل أو مع مبناه وتضفي عليه شيئاً من الحيوية والجمال. ولا بدَّ من الإشارة إلى أنني قد تجاوزت الأمثال التي تمسّ العرق والدين ومعظم التي تخدش الحياء على وفرتها في معجمنا الشعبي، وقصة المثل لأنها تتغير وتتبدل بتغير الزمان وتبدل المكان ووفق ميول الرواة.في الكتاب دراسة تحليلية، تناولتْ نشأة المثل ومعناه، وتطوره التاريخي، واستنتجتْ الخطوط العريضة للعلاقات بين الأمثال من خلال معالجة دلالتها الاجتماعية والأخلاقية والسياسية والدينية والتربوية. يقسم الكتاب إلى سبعة وسبعين فصلاً بعد المئة، وتسمياتها مستمدة من معاني الأمثال. وبما أنّ المثل يعبر عن موقف إنساني، فهذا يعني أنه يحتمل أكثر من معنى وينطوي على أكثر من مدلول، ويمكن إدراجه في أكثر من فصل. وبحسب فهمي واجتهادي وضعت المثل في الفصل الذي يحمل المعنى الأقرب، وتركت الحرية للقارئ في أن يقول يصلح هذا المثل لأكثر من مناسبة ، أو بأن يكون في هذا الفصل أو ذاك.أفردت في الكتاب مكاناً لأمثال القرآن الكريم ولعدد من الآيات التي ترد على ألسنة الناس كالمثل. ومكاناً آخر لبعض الأمثال والأقوال والحكم من الحضارات السومرية والأكادية والفرعونية والسرياني (الآرامية) والأغاريتية، لقيمتها الإنسانية والحضارية والفكرية. فالعلاقة بين الحضارات القديمة والمعاصرة علاقة متشابكة الجذور، وعلى نحو أكثر تعقيداً مما يخيل إلينا.وفي الكتاب أيضاً فصل للأمثال الساخرة الضاحكة التي تحمل البسمة حيناً، والمرارة والنقد أحياناً أخرى. وقد لفتني قلة عدد الأمثال الضاحكة قياساً إلى الأمثال التي تحمل صور القهر والمعاناة، مع أن الناس يميلون إلى الفكاهة ويحبون روايتها. والغريب أن المفارقات التي تضحك أندر من تلك التي تؤلم، وباعث الضحك أقل من دواعي الحزن والألم. ولهذا، ربما، نجد كاتباً ساخراً واحداً مقابل مئة من الكتاب الدراميين. وهذا هو الحال في مجال الفن كالتمثيل، فما أكثر من يَبكون ويُبكون من الممثلين، وما أقلَّ من يَضحكون ويُضحكون.وأشير إلى أنني دونت المثل الشعبي السوري بلغة وسيطة بين الفصيحة والعامية، لأبعده عن المحلية الضيقة. ولأتيح الفرصة لمتداوليه أن يمنحوه مرونتهم اللغوية، كأن يحذفون حروفاً أو يضيفون بعضها.