نبذة النيل والفرات:هذه الأوراق شاملة وافية، تتعرض لأشخاص عديدين، إلا أن البطلين الرئيسيين فيها هما، كما هو متوقع، جبران وماري هاسكل.حيث تسرد أحادثاً واقعية وأقوالاً واقعية، تسمعنا صوت جبران الصحيح وتشكل أفضل صورة ذاتية له يمكن لنا أن نحصل عليها، إننا نرى فيها عقل جبران قيد العمل: نراه يقفز من فكرة لفكرة ومن موضوع لموضوع؛ ويتحدث ...
قراءة الكل
نبذة النيل والفرات:هذه الأوراق شاملة وافية، تتعرض لأشخاص عديدين، إلا أن البطلين الرئيسيين فيها هما، كما هو متوقع، جبران وماري هاسكل.حيث تسرد أحادثاً واقعية وأقوالاً واقعية، تسمعنا صوت جبران الصحيح وتشكل أفضل صورة ذاتية له يمكن لنا أن نحصل عليها، إننا نرى فيها عقل جبران قيد العمل: نراه يقفز من فكرة لفكرة ومن موضوع لموضوع؛ ويتحدث عن فنه وعن أدبه هو وعن الفنانين والأدباء والمفكرين الذين كان يقرأهم وعن رأيه في كل منهم؛ نراه يرسم في هوامش رسائله وأحياناً في متنها، وعلى صفحات مفكرات ماري، رسوماً مصغرة للوحات التي كان يعمل عليها آنئذ، ويفسر لها ما كان يفعله؛ وينوي أن يفعله نراه "يجرب" بإستمرار على ماري الآراء المختلفة التي سينثرها في مؤلفاته فيما بعد، قبل أن يكتبها وقبل أن يعتنقها تمام الإعتناق.إننا نجد ماري هنا "التلميذة" الحقة، تلتقط الحبوب والبذور دوما من فتاته - لكنها لا تكتفي بذلك: بل هي تضع البذور والحبوب لكي ينميها هو فتلتقطها هي؛ إنها تقتبس كل ما يقوله، وعندما لا يقول تلاحقه بالأسئلة إلى أن يقول كل شيء عن هذا الموضوع أو ذاك، فتسجل أقواله بأمانة وبإيمان، وهي لا تقتصر في وصفها على آرائه وأفكاره، وعلى رسومه التي تذكر شرحه لها مرحلة مرحلة، بل تصف كل ما يتعلق به تصف نوع قراءته ولون قراءاته، وتصوره كيف يرسم، وكيف يتحرك وكيف يبتسم، وينكت، ويحمل عصاه، ويأكل، تصف تهذيبه وعاداته، وساعات عمله، وطريقة عمله، والصعودات والهبوطات في صحته، وملابسه، وكمية أكله ونوع أكله، وقلة نومه، وكلامه وصوته ونبرته، وطريقة جلوسه وهو يكتب وعجزه عن الإسترخاء والراحة، وهي تقرأ شخصيته وتطوره من خطه ومن أمائر وجهه وتقارن بين تحليلها الحالي وتحليلاتها الماضية وتبحث في سبب أي تبدل تلاحظه.إن هذه الأوراق تجيبنا على فيض من الأسئلة؛ وربما كانت بعض الأجوبة معروفة، أو بالأحرى مشتبهاً بها، من قبل، لكنها تذكرها هنا وتعطي الأدلة عليها - كما أنها تبوع بأشياء كثيرة، جديدة كل الجدة.