ربما تعاونت عدة عوامل على خلق العقيدة الدينية فمنها الخوف من الموت، ومنها الدهشة مما يسبب الحوادث التي تأتي مصادفة أو الأحداث التي ليست في مقدور الإنسان فهمها، والشعور بأمل في معونة الآلهة، والشكر على ما يصيب الإنسان من حظ سعيد، وكان لعله أهم ما تعلقت به دهشتهم، وإستوقف أنظارهم هو ظاهرة الأحلام. وربما فزع فزعاً شديداً حين رأى في...
قراءة الكل
ربما تعاونت عدة عوامل على خلق العقيدة الدينية فمنها الخوف من الموت، ومنها الدهشة مما يسبب الحوادث التي تأتي مصادفة أو الأحداث التي ليست في مقدور الإنسان فهمها، والشعور بأمل في معونة الآلهة، والشكر على ما يصيب الإنسان من حظ سعيد، وكان لعله أهم ما تعلقت به دهشتهم، وإستوقف أنظارهم هو ظاهرة الأحلام. وربما فزع فزعاً شديداً حين رأى في منامه أشخاصاً يعلم علم اليقين أنهم فارقوا الحياة. مثل هذه الأحداث التي كانت تصادف الإنسان البدائي في حياته، أقنعته بأن كل كائن حي له نفس أو حياة دفينة في أعماقه يمكن إنفصالها عن الجسد إبان النوم أو الموت. إن لكل شيء روحاً والعالم الخارجي ليس مواتاً ولا خلواً من الإحساس، لكنه حي دافق الحياة ولو لم يكن الأمر كذلك، هكذا ظن الفلاسفة القدامى، لكن العالم مليئاً بالأحداث التي يستحيل تعليلها، كالكواكب والنجوم، والقمر، والشمس، والصواعق، أو تهامس الشجر. وهكذا تصور الناس الأشياء، والحوادث مشخصة قبل أن يتصورها جوامد أو مجردة. إن الجبال، والأنهار، والصخور، والأشجار، والنجوم، والشمس، والقمر، والسماء، كلها: أشياء مقدسة كانت عند الإنسان الأول البدائي، لأنها العلامات الخارجية المرئية للنفوس الباطنية الخفية في معتقده. وهكذا إنتقل الإنسان من خوفه وعبادته لأرواح غامضة المعالم مبهمة الحدود، إلى تمجيد القوى السماوية، والنباتية، ثم إلى خشوعه للحيوان وعبادته للأسلاف فأسبقوا عليهم لوناً من الربوبية الصريحة. وبهذا أصبح أعلام الملوك آلهة حتى قبل موتهم أحياناً. لقد كانت الروح الدينية غزيرة خصبة بلغ من خصبها أن المصريين لم يعبدوا مصدر الحياة فحسب، بل عبدوا مع هذا المصدر كل صورة من صور الحياة. من هنا يمكن القول بأن الدين إنما هو حاجة خطرية وغريزية. ومهما حاول الإنسان التهرب منه فإنه يظل ملاحق به في أعماق نفسه. إن تاريخ الديانات رغم إختلاف ألوانه وأشكاله وشوائبه، يشهد ويؤيد تلك المقولة الفطرية التي لا سبيل إلى إنكارها. أن كل الذين سلكوا درب التوحيد والعبادة الواحدة على إختلاف مراتبهم إنما عبروا بسلوكهم هذا عن شفافية الروح التي لا تتحمل أكثر من طبيعتها البسيطة غير المعقدة. من هنا يأتي هذا الكتاب الذي يعرف ما يثبت الحاجة إلى الدين، ويدعو إلى خالصة التوحيد والطاعة لرب الأرباب الواحد لا شريك له.