كانت الخريطة الجغرافية للحركة الصهيونية العالمية قبل 1948 تضم كل البلدان التي تعيش بين ظهرانيها جاليات يهودية. ولم تشذ تونس التي كانت رازحة منذ 1881 تحت سيطرة الإمبريالية الفرنسية المباشرة عن هذه القاعدة، إذ شهدت على امتداد الفترة من 1897 إلى أوائل الخمسينات من القرن العشرين نشاطاً صهيونياً عارماً ومتنوعاً ستتكفل هذه الدراسة بإج...
قراءة الكل
كانت الخريطة الجغرافية للحركة الصهيونية العالمية قبل 1948 تضم كل البلدان التي تعيش بين ظهرانيها جاليات يهودية. ولم تشذ تونس التي كانت رازحة منذ 1881 تحت سيطرة الإمبريالية الفرنسية المباشرة عن هذه القاعدة، إذ شهدت على امتداد الفترة من 1897 إلى أوائل الخمسينات من القرن العشرين نشاطاً صهيونياً عارماً ومتنوعاً ستتكفل هذه الدراسة بإجلائه وتوضيح تأثيره على الامن الداخلي والخارجي لتونس.تمثل سنة 1897 نقطة البدء لهذه الدراسة في سنة إلتآم المؤتمر الصهيوني العالمي الأول ببازل (سويسرا). فقد شكل هذا الحدث بالنسبة إلى تونس بداية التطورات الحاسمة التي ستجتاح حياة قسم كبير من اليهود القاطنين بها. أما سنة 1948 التي يقف عندها هذا البحث، فهي سنة قيام دولة إسرائيل وبداية هجرة يهود تونس المكثفة إليها. إن المتتبع لمسار الحركة الصهيونية في تونس حتى 1948 بإمكانه أن يتلمس خمس مراحل متميزة: مرحلة النشوء: وتستمر من أوت 1897 إلى خانفي 1911. مرحلة الدبيب: وتبدأ بتأسيس أول تنظيم صهيوني في تونس وهو "الأغوادات صهيون" في جانفي 1911 وتنتهي بصدور "وعد بلفور" في نوفمبر 1917. مرحلة الوقوف على الأرجل: وتستغرق الفترة من نوفمبر 1917 إلى جويلية 1927، وهو تاريخ سقوط الحركة الصهيونية في تونس في يد أكثر الأطراف الصهيونية تشدداً وهم التنقيحيون الذين سيحتفظون بمركز الصدارة في هذه الحركة حتى إعلان ميلاد دولة إسرائيل. مرحلة الخطوات المتعثرة: وتبدأ من جويلية 1927 وتنتهي في ماي 1936 وهو تاريخ استلام ائتلاف من اليسار لدفة السلطة في فرنسا. مرحلة الحفاظ على البقاء: وتدوم كامل الفترة التي بقي فيها ائتلاف اليسار الفرنسي في الحكم (1936-1938). وأخيراً مرحلة المد: تدوم قرابة العشر سنوات: من (1938-1948)، تاريخ ميلاد الدولة الصهيونية. هذه المراحل الخمس هي التي تشكل الإطار العام لدراسة هذا الكتاب التي تعالج عبر دراسة تاريخية مفصلة تاريخ النشاط الصهيوني بتونس ما بين سنة 1897 و1948 وهدفه تسليط الضوء على الحركة الصهيونية التي قامت داخل تونس، وكذلك وضع "المسألة اليهودية" في تاريخ المجتمعات التي عاش فيها اليهود وليس خارج التاريخ وفي خصائص العرض.