نبذة النيل والفرات:إن روح السعادة وبهجتها، وروح العبادة وبهجتها، وموجب تلقيها بأيدي القبول والإحسان، ومضاعفة الثواب بها في دار الجنان، والتسبب بها إلى ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، والانتساب بها إلى عالم الملكوت والملائكة الغرر، وتلقي الفيض من عالم الغيب والشهادة، وإيجاب القليل منها لعظيم الزيادة؛ إنما يتم با...
قراءة الكل
نبذة النيل والفرات:إن روح السعادة وبهجتها، وروح العبادة وبهجتها، وموجب تلقيها بأيدي القبول والإحسان، ومضاعفة الثواب بها في دار الجنان، والتسبب بها إلى ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، والانتساب بها إلى عالم الملكوت والملائكة الغرر، وتلقي الفيض من عالم الغيب والشهادة، وإيجاب القليل منها لعظيم الزيادة؛ إنما يتم بالإقبال بالقلب في أفعالها وحركاتها وسكناتها على الله تعالى، والتفكر في أسرارها، وتقلب النفس في حالاتها حسب اختلاف أوضاعها وأطوارها. وإذ قد أتى العبد مجهوده، وعرف عجزه عن نيل المراد فيضطر عند ذلك للاستعانة بحقيقة قلبه، ويحترف على باب كرم الله جلّ جلاله، فيدركه عند ذلك نفحات رحمته ، لأنه تعالى كريم يحب الكرامة لعباده المضطرين المحترفين على بابه لطلب مرضاته، فيقبله ويرضى عنه، ويدخله في عباده المخلصين، لأن الإخلاص معنى مفتاحه القبول، وتوقيعه الرضا، وقبل القبول والرضا لا يوجد الإخلاص. فعلى العبد أن يكون تمام جده وغاية سعيه في معرفة آفات الأعمال، حتى يجتهد في تخليص عمله ببذل مجهوده، حتى يورثه ذلك معرفة العجز والاضطرار والتسليم إلى الله، والطلب منه، وإذا أتى بذلك، وكل أمره إليه؛ فإنه يكفيه في كل ما سلم إليه، ولا يضن ولا يبخل، ولا يخون ولا يجفو.وبالجملة فعلى العبد أن يجعل همه وجدّه كله في تصحيح العمل وإخلاصه علن الآفات، وعن شوائب الهوى، فلو قدر أن يقول: لا إله إلا الله مرّة بقلبه وعمله بل وروحه وسرّه وجميع جوارحه، فهو أنفع من أن يأتي تمام عمره بقيام الليالي وصيام الأيام مع دوام الذكر من دون إخلاص.هذا وإن من أهم ما يترتب على المجاهدة في إخلاص العمل عن الآفات، التواضع القلبي الحاصل من معرفة ضياع أعماله، فإنه يورث في القلب زلة باطنية بحيث يتنفر عن عمله وعن نفسه، ويكون زارياً لنفسه غير مدلّ بعبادته، وغير معجب بها؛ فكلما سعى أن يأتي بعمل صحيح ولم يقدر عرف عجزه، ويضطر إلى الاحتراف بأبواب الفضل والكرم والجود، ويرى نفسه وهواه أعدى عدوه فيزري نفسه. وهذه الزلة الباطنية، وإزراء النفس تنفعه أكثر من عبادة سبعين سنة، كما روي أن عابداً عبد الله سبعين سنة صائماً نهاره قائماً ليله، فطلب إلى الله حاجة فلم يقضها له، فأقبل لوماً على نفسه وقال: من قبلك أوتيت، لو كان عندك خير قضيت حاجتك. فأنزل الله إليه ملكاً فقال: يابن آدم ساعتك التي أزريت فيها على نفسك خير من عبادتك التي مضيت. نعم هو عند المنكسرة قلوبهم كما ورد في الأخبار، ولعمري أن العمدة في ضياع أمر الآخرة والأديان، وصحة أمر الدنيا واستقامة أمر الهوى، إنما هو من هذا الباب لما نراه بالوجدان أن الغالب على أهل الدين في أمور الآخرة من عبادتهم وأعمالهم، بل وإيمانهم وأخلاقهم، والاكتفاء بالصورة، والغالب على أهل الدنيا عدم الاكتفاء بها بل يداقون في تكميل المعنى.مثلاً أهل الأديان يكتنفون غالباً في صلاتهم بإقامة الصورة، ويسعون في تكميل الصورة ولا يبالغون بفقدان المعنى والروح؛ فإن للصلاة صورة وروحاً في كل جزء من أجزائها وشرائطها، من طهارتها وتكبيرها إلى تسليمها وتعقيقها، من أفعالها وأذكارها وهيئاتها، ترى المصلين يتعلمون الصورة حتى أنهم يجتهدون في تصحيح أمر تقليدهم وتعلم صورة الصلاة، ويحتاطون في ذلك ويناقشون في علم المقلدين وورعهم، ويداقّون في تصحيح الرسائل ويناقشون في عباراتها، ويبالغون في تطهير الأعضاء... وأما تطهير الجوارح من المعاصي والقلب عن الأخلاق الرذيلة وعن النفاق وعن محبة الدنيا وعن الشغل بغير الله، فكأنه غير مأمور به. ضمن هذا الإطار تأتي مكاشفات المحدث الكبير الفيض الكاشاني التي من خلالها يبين آداب السالكين التي تكشف عن أسرار عبادات العارفين.