يظل الفارابي، وقد مضى على رحيله عن الدنيا عشرة قرون من الزمان، يمثل الثورة النقية الرائعة للفكر الفلسفي في الإسلام، فهو حقاً كما قال عنه ابن سينا: "يكاد أن يكون أفضل من سلف من السلف، حيث لا يجري مع القدم في ميدان". فأعماله الفلسفية تعتبر اللبنات الأولى لوحدة الفكر العربي، تتميز باجتهاد الفعل نحو الحكم المنطقي، سواء أصاب هذا الحك...
قراءة الكل
يظل الفارابي، وقد مضى على رحيله عن الدنيا عشرة قرون من الزمان، يمثل الثورة النقية الرائعة للفكر الفلسفي في الإسلام، فهو حقاً كما قال عنه ابن سينا: "يكاد أن يكون أفضل من سلف من السلف، حيث لا يجري مع القدم في ميدان". فأعماله الفلسفية تعتبر اللبنات الأولى لوحدة الفكر العربي، تتميز باجتهاد الفعل نحو الحكم المنطقي، سواء أصاب هذا الحكم أم خطأها، فهو اجتهاد في الحالين. سلك فيه الفارابي طريق التوفيق بين المنهجين السالكين في الفكر، ويعني هذا برهان الإنيّة وبرهان اللميّة، فارتسما معاً في جدله النازل وجدله الصاعد، وفي بناء مدينته الفاضلة، فوضع بذلك الثوابت والشروط التي ينبغي توافرها في السالك لهذا الطريق. وكان هو من أشد الناس التزاماً لها وحرصاً عليها، حيث ارتسمت معالمها الواضحة في سلوكياته ومجمل حياته العامة. وكان من أهم قراعدها قوة التمييز والخلق الجميل، لأن الفلسفة في رأيه هي الوسيلة التي ننال بها السعادة فتكون لنا قُنْية، ولا يحصل هذا إلا بجودة التمييز وقوته. وإننا لنزداد فهماً ووضوح رؤية إذا ما حاولنا التماس طرق محاولته (التوفيق) بين الفلسفة اليونانية ومنازعها، والعقيدة في الإسلام وغاياتها وذلك من خلال مؤلفاته.وهذا هو الجزء الأول من (الأعمال الفلسفية) للفارابي هو اليوم أمام الباحثين والدارسين للتراث الفلسفي في الإسلام. وقد ضم هذا الجزء الكتب والرسائل التالية. 1-كتاب تحصيل السعادة، 2-كتاب التنبيه، على سبيل السعادة، 3-مقالة فيما صح وما لا يصح من أحكام النجوم، 4-جوابات لمسائل سئل عنها، 5-كتاب التعليقات. ولم يكتف المحقق في عمله هذا، بالتقديم والتحقيق فحسب، بل حاول أيضاً المقارنة والتعليق قدر ما تيسّر له من أمرهما، فوضع فصلاً لاحقاً لكل عمل فلسفي، أوجز فيه المحقق تعليقاته بعد أن قسّم دلالات النص إلى فقرات تتناسب مع غاياته، كما يسهّل أمر المقارنة بالإشارة إلى رقم الفقرة فيه، وكان وضعه للمخطوطات وطبيعة نصوصها وفحواها يتميز بشيء من التفصيل مع الإشارة إلى المنهج الذي سلكه واختاره.