إن جمع الأحاديث والمقالات، التي تشكل النواة الأولى لفكر البعث، تحت عنوان (في سبيل البعث)، قد كان بمبادرة قام بها البعثيون الأوائل في العراق، في مطلع الخمسينات. وقد تطورت هذه المبادرة العفوية، بشكل مستقل عن إشراف القائد المؤسس "ميشيل عفلق"، حتى أخذت شكلها الحالي الذي تستند إليه هذه الدراسة، المتمثل بالطبعة التاسعة عشر، الصادرة عن...
قراءة الكل
إن جمع الأحاديث والمقالات، التي تشكل النواة الأولى لفكر البعث، تحت عنوان (في سبيل البعث)، قد كان بمبادرة قام بها البعثيون الأوائل في العراق، في مطلع الخمسينات. وقد تطورت هذه المبادرة العفوية، بشكل مستقل عن إشراف القائد المؤسس "ميشيل عفلق"، حتى أخذت شكلها الحالي الذي تستند إليه هذه الدراسة، المتمثل بالطبعة التاسعة عشر، الصادرة عن دار الطليعة في بيروت، عام 1976. وهي تضم (57) نصاً.فقد حذفت منها ثلاثة نصوص، كانت ماثلة في الطبعات التي سبقت. وهي المقالات التي تحمل العناوين: (لماذا نحرص على الحرية) و(الصيغة الجديدة للوطنية) و(سياستنا الخارجية). والتي نشرت في كتيب (في السياسة العربية). وقد خضعت تواريخ النصوص، لمراجعة من القائد المؤسس في الطبعة الأخيرة, ويمكن أن نميز من أصل (57) نصاً يحتويها كتاب (في سبيل البعث) في طبعته الأخيرة، (34) حديثاً و(23) مقالة. إذن فأكثر من نصف الكتاب، هي بمثابة أجوبة على أسئلة، أي على شكل حوار مباشر، يستمد مادته الأساسية من معاناة المناضلين، ومن حاجات النضال، ومن المشكلات التي يطرحها الواقع العربي في هذه المرحلة التاريخية.فالدراسة المنهجية لنصوص (في سبيل البعث) تتطلب جملة من الشروط المساعدة على استيعاب السياق الحي لولادة الأفكار والتصورات والصيغ، التي انطوت عليها تلك النصوص، فالقراءات الجديدة المطلوبة هي أكثر من مجرد مراجعة للنصوص، تكتفي بشرح جديد، أو بإعادة عرض النصوص وتصنيفها، بشكل أكثر تشويقاً وجاذبية.لذلك فإن هذه الدراسة، تتضمن قسمين رئيسيين: الجزء الأول هو تحليل إجمالي، يتركز حول هدف إعادة بناء النص بمجمله، واستخلاص الأبعاد الأساسية للكتاب ككل. أما الجزء الثاني: فينصب على دراسة النصوص بشكل إفرادي، دون أن يغفل البحث عن التواصل القائم بين وحدات النصوص.وقد أخذت هذه القراءة الجديدة لنصوص (في سبيل العبث)، بعين الاعتبار أن الدراسة المنهجية لنص ما، يمكن أن تستند إلى أسس ومعايير مختلفة... فقد يلتزم الباحث بتحليل النص، من حيث كونه موضوعاً ينطوي على أفكار أساسية، ينبغي التعامل معها، ومه اللحمة التي تنظمها. وعندئذٍ يغلب (الطابع الإيديولوجي) على البحث.. وقد يعمد الباحث إلى منهج (التحليل التاريخي)، فيضع النص في إطاره التاريخي، ويتابع تطور النصوص، متابعة زمنية، تلقي ضوءاً على عملية النصوص.كما أن منهج الباحث، قد يكون صورياً أو جدلياً، وقد تكون المعالجة الجدلية للنصوص نابعة من موقف فلسفي مذهبي يمثل نظاماً مغلقاً من التصورات. أو تكون منطلقة من موقف علمي شمولي، يتجاوز المذهبية الفلسفية، والنزعة الوضعية المناوئة لها، في آن واحد... إن تعدد المعايير، وعدم الاكتفاء بجدول ذي بعد واحد، يشكل أساسً لتحليل يقترب من التركيب الكلي للنص، ثم إن اقتران المنهج الجدلي العلمي التاريخي بالمنهج التكويني ، يوفر أساسً صالحاً للنفاذ إلى خصوصية النص... وهذا ما اعتمدته الدراسة الراهنة.وإذا كان (المنهج التكويني) الذي هدف إلى إعادة بناء النص، ومتابعة تطور الأفكار عبر مسيرة الحركة التاريخية، يشكل قاعدة انطلاقة رئيسية في هذه الدراسة، فإن الاهتمام بالتحليل التاريخي وبالترابط بين موضوعات النصوص، وبالخلفية النضالية، والشروط الموضوعية والذاتية، وعلاقة الأهداف بالتطبيق والغاية بالوسيلة... كل ذلك قد كان بمثابة عوامل مساندة تناولتها الدراسة ضمن إطار وحدة شمولية متكاملة.وقد قادنا المنهج الذي التزمته هذه الدراسة، إلى تمييز الأبعاد الأساسية، التي حددت أقسام الدراسة، كما يلي: الفصل الأول: وهو يتناول نقطة الانطلاق، التي تبلورت في نصوص (في سبيل البعث) وأنضجت الوعي التاريخي (للمرحلة العربية)، التي تتهيأ من خلالها الأمة، للدخول في طور جديد من أطوار نهضتها المعاصرة.الفصل الثاني: وهو يتوقف على (منهج الفكر) الذي تميز به فكر البعث، والذي تم بموجبه وعي المرحلة الجديدة، التي قصرت مناهج الفكر الأخرى عن تحديدها، كمرحلة، انبعاثية. الفصل الثالث: وهو يتناول (المنظور الحضاري الابنعاثي) الجديد، الذي تحرر من المنظور الغربي، وزود حركة النهضة العربية المعاصرة، ببصيرة تاريخية حضارية مستقلة، وبالقدرة على التفاعل الأصيل مه التجارب العالمية لهذا العصر.الفصل الرابع: وهو يتركز على (المفاهيم الجديدة) التي أنضجتها فكر البعث. ويشمل ما يلي: أ-تصحيح المفاهيم السابقة، ب-ملامح نظرية جديدة، ج-مفهوم الوحدة العربية، د-مفهوم الحرية. هـ-مفهوم الاشتراكية، و-جدلية العلاقة بين الوحدة والحرية والاشتراكية. الفصل الخامس: وهو ينطوي على استجلاء المعالم الرئيسية (لاستراتيجية الانبعاث القومي)، واستخلاص القواعد الأساسية التي حددتها نصوص (في سبيل البعث)، للعمل النضالي، في مرحلة الانبعاث القومي.الفصل السادس: وهو يقوم على تحديد (الأداة التاريخية) التي يقع عليها العبء الأكبر في تحقيق مهمة الانبعاث، أي الجيل العربي الجديد، الذي ينتظم في طليعة ثورية، ويمتد على امتداد الجماهير الكادحة، والطبقة العاملة الموحدة، داخل إطار تنظيمي قومي جديد. وهذه الأقسام الستة، تشكل وحدة متكاملة، تعمل على إعادة بناء نصوص (في سبيل البعث)، من حيث التخطيط العام الذي انطوت عليه تلك النصوص، لتأسيس حركة تاريخية، رسمت لها أفكارها ومسارها، وحددت لها المستوى المطلوب من أجل بعث الأمة.
الاربعاء 22 يونيو 2022
لو حابب اشترى الكتب في مصر