يضم هذا الكتاب بين طياته دراسة أكاديمية سعت لفهم تراث الجاحظ البلاغي في ضوء فكرة البيان عنده، وقصدت إلى البحث عن نظام داخلي لهذا التراث، بهدف تفسيره في مستوى ثقافة العصر الذي أنجبه، وعلى هدى من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية التي سادت هذا العصر.وردت الدراسة على سؤال يطرحه كل من اهتم بالجاحظ أو اطلع على آثاره، وهو نوع العلاقات ا...
قراءة الكل
يضم هذا الكتاب بين طياته دراسة أكاديمية سعت لفهم تراث الجاحظ البلاغي في ضوء فكرة البيان عنده، وقصدت إلى البحث عن نظام داخلي لهذا التراث، بهدف تفسيره في مستوى ثقافة العصر الذي أنجبه، وعلى هدى من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية التي سادت هذا العصر.وردت الدراسة على سؤال يطرحه كل من اهتم بالجاحظ أو اطلع على آثاره، وهو نوع العلاقات التي جعلته يجمع بين وسائل البيان الخمس التي ذكرها؟ وبعد الإجابة عن هذا السؤال الأساسي بأن الجاحظ صاحب رؤية بيانية للعالم، ومقارنة هذه الرؤية ببعض معطيات علم اللغة الحديث والسيمياء المعاصرة، طرحت إمكان تفسير رؤية العالم عنده، فاعتبرتها بنية ذات أجزاء مستقلة، وعلاقات تجعلها كلا متناسقاً ومنظماً، وحاولت أثر ذلك دمجها في بنية أكثر شمولاً واتساعاً، فكانت فلسفة المعتزلة، التي تشكل الرؤية البيانية للعالم أحد عناصرها هي هذه البنية الأشمل والأوسع... ولذلك كان واجباً عليها أن تحدد أجزاء المنظومة الفكرية التي تشكل الأسس العامة لفلسفة المعتزلة، وأن تربط هذه الأجزاء بعلاقات توضح تكاملها ونسقها الكلي. وقد تم ذلك في الفصل الثاني من هذه الدراسة.وحين أكملت عملية تحديد الرؤية البيانية عند الجاحظ، وتفسيرها بعملية الإدماج داخل فلسفة المعتزلة، ثم تفسير هذه الفلسفة في ضوء شبكة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية على عهد الأمويين وفي ظل الخلافة العباسية إبان قوتها، انتقلت تفصيل القول في البيان عند أبي عثمان، فأبرزت أنه صاحب انطباعات سيميائية كانت نتيجة لاعتقاده بأن العالم نظام من الإشارات، وقارنت هذه الانطباعات ببعض اتجاهات علم السيمياء الحديث، ثم درست كل وسيلة من وسائل البيان عنده على حدة، كيف تعتبر دلالة؟ وما شكلها؟ وما الذي تعبر عنه؟ وكيف يتم هذا التعبير وما حدوده؟ وحين وصلت إلى دراسة اللفظ عملت على توضيح اعتباره أهم شكل دلالي وتعبيري من طرف الجاحظ، وأنه ينقسم إلى خطاب يومي عادي وخطاب فني راق، فكان لا بد أن تدرس الخطاب الراقي وبما هو كذلك. ولذلك كان اهتمامها بالجهد البلاغي عند الجاحظ اهتماماً أساسياً، إذ حاولت إبراز الأسس التي تجعلنا نميز بين مختلف أنواع الخطاب ودرجاته، بالاستناد إلى بعض القواعد التي استطاع الجاحظ تبينها، والتي كانت أول دعامة عقلية لإقامة صرح الدراسات البلاغية القديمة على أسس علمية تنظر وتقنن مظاهر ومعطيات الخطاب الفني. وقد ركزت الجهد على استخلاص ما استطاع أبو عثمان أن يحققه من نتائج في هذا المجال، فأبرزت جوانب كثيرة، ربنا أهملها بعض الدارسين، وخاصة منهم من لم يستطع التحرر من ربقة التصور التقليدي للبلاغة العربية، وأنها منقسمة بطبيعتها إلى معان وبيان وبديع.واتصل القسم الثالث بالدراسة البلاغية أوثق اتصال، كما أ،ه أوضح جهد الجاحظ وقيمته في هذا المجال، وكان البحث في مكونات الخطاب الجيد موازياً لنظرية الكلام التي سبق تحديدها، فتناولته في أقسام ثلاثة هي على التوالي: النظم على مستوى الصوت المقطع، والدلالة الموحية، ثم الشكل الخارجي للكلام.