منذ نحو عشرة أيام وصلتني من زكريا بطرس رسالة مشباكية (إيميل) تتضمَّن حدوتة تبشيرية مضحِكة لا يصدِّقها إلا أبله، تدور حول ما يزعُم كاتبها أنه مجادَلة قامت بين راهب نصراني وثلاثة شيوخ من أئمة المسلمين في العصر الأيوبي، واتخذتها مع ذلك فرصة للسياحة في كتب التاريخ لعلِّي أصل إلى أية معلومات تتعلق بطرفي المجادلة المزعومة، فلم أصل إلى...
قراءة الكل
منذ نحو عشرة أيام وصلتني من زكريا بطرس رسالة مشباكية (إيميل) تتضمَّن حدوتة تبشيرية مضحِكة لا يصدِّقها إلا أبله، تدور حول ما يزعُم كاتبها أنه مجادَلة قامت بين راهب نصراني وثلاثة شيوخ من أئمة المسلمين في العصر الأيوبي، واتخذتها مع ذلك فرصة للسياحة في كتب التاريخ لعلِّي أصل إلى أية معلومات تتعلق بطرفي المجادلة المزعومة، فلم أصل إلى شيء، إلا أن العزم صحَّ مني فجأة منذ أربعة أيام على التعليق على هذا السُّخف المتخلف. هذا، ولم أفعل في الرد على تلك الحدوتة المتخلِّفة مثله هو وأشباهه، إلا المضي في قراءتها فِقرة فقرة، والردُّ مباشرة على ما جاء في تلك الفقرات أولاً بأول، اللهم إلا إذا احتاج الأمر التثبُّت من شيء، فعندئذ كنت أرجِع إلى هذا الكتاب أو ذاك، وتتلخَّص تلك الحدوتة المتخلِّفة في أن جماعة من الرهبان الحلبيِّين ذهبوا لمقابلة الملك الظاهر بن صلاح الدين الأيوبي صاحب حلب في شأن من شؤون الدير الذي يَسكنونه، فتصادَف مجيء ثلاثة من أئمة المسلمين وهم في حضرة أخيه الأمير المشمّر، وجرتْ بينهم وبين أحد أولئك الرهبان، واسمه الأنبا جُرجِي، مناظَرة بين الإسلام والنصرانية خرج منها دين التثليث منتصِرًا بالضربة القاضية على دين التوحيد، وقد أظهرتِ الحدوتة المضحِكة الأمير الأيوبي منحازًا طول الوقت إلى الجانب التثليثي شامتًا بالمشايخ "المساكين المحتاسين" العاجزين عن الردِّ والفَهم، بل زاد على ذلك فأسرَّ إلى الراهب المذكور، على مرأى من الحاضرين، أن أمَّه نصرانية رومية… والحدوتة تصرُخ بأعلى حسها أنها مصنوعة صنعًا كما سنبيِّن بالدليل القاطع الذي لا يمكن نقْضه بأي حال، وأن شيئًا مما ورد فيها لم يقع، وأن المقصود منها هو مكايدة المسلمين ورفْع الروح المعنوية لجماهير المثلِّثين عن طريق إيهامهم أن أئمة المسلمين أنفسهم لا يستطيعون الوقوف أمام ضياء التثليث الباهر الذي يُعشي العيون! والآن إلى مناقشة الحدوتة التي أعتذِر للقراء مقدَّمًا عن نزولي إلى مستواها؛ إذ لا يَليق في الواقع أن آخذ مِثل تلك التحدِّيات الطفولية مأخذ الاهتمام، إلا أنني قد لاحظت أنها منشورة في مواقع تبشيرية كثيرة، ومعنى هذا أن من القراء الخالي البال مَن قد يظنُّ أنها قصة حقيقية، فقلت: إنها فرصة لفضْح أساليب الكيد الرخيص الذي يلجأ إليه القُمُّص المعتوه وأمثاله في محاربة الإسلام حتى يعرف القاصي والداني أن القوم مفلِسون تمام الإفلاس، وأنهم إنما ينتهِزون سانحة ضعف المسلمين في العصر الحالي وهجوم الثور الأمريكي الأحمق على المنطقة، للتنفيس عن أحقادهم والجري في بيداء الأوهام التي تُصوَّر لهم.