عندي في قائمة المفضَّلة موقعٌ عثَرت عليه في المشباك منذ شهور يضمُّ بين الكتب التي يضعها تحت تصرُّف القارئ أكثر من خمسين سيرة نبوية باللغة الفرنسية: بعضها قائم برأسه، وبعضها فصلٌ من كتاب، وبعضها بأقلام مسلمةٍ، والبعض الآخر من تأليف المستشرقين، وبعضها معروض كاملاً بقضِّه وقضيضه، والقليل جدًّا منها قد اكتفى بعرض خطوطه العامة مع بضع...
قراءة الكل
عندي في قائمة المفضَّلة موقعٌ عثَرت عليه في المشباك منذ شهور يضمُّ بين الكتب التي يضعها تحت تصرُّف القارئ أكثر من خمسين سيرة نبوية باللغة الفرنسية: بعضها قائم برأسه، وبعضها فصلٌ من كتاب، وبعضها بأقلام مسلمةٍ، والبعض الآخر من تأليف المستشرقين، وبعضها معروض كاملاً بقضِّه وقضيضه، والقليل جدًّا منها قد اكتفى بعرض خطوطه العامة مع بضعة نصوص قليلة منه، ومن هذا الصِّنف الأخير كتاب الطبيب النفساني الفرنسي برنار راكان المسَّمى: "Un Juif nomme Mahomet" يهودي اسمه "محمد"، وقد اعتمَدت في كتابة هذه الدراسة التي بين يدي القارئ على تلخيص الكاتب لأفكاره المودَعة في كتابه، فضلاً عن تعليقات بعض القراء على تلك الأفكار وردوده عليها، ونبدأ بما كتَبه أحد قراء الكتاب المذكور تعقيبًا على ما أثاره المؤلف من تشكيكات جامحة ترى في الإسلام وكتابه ونبيه ووقائع تاريخه اختراعات كاذبة ملفَّقة تمت في وقت متأخر كثيرًا عن التواريخ المعروفة للناس جميعًا على ما سوف يتَّضِح في هذه الدراسة، ويوجِّه القارئ المذكور الخطاب لراكان قائلاً: إن كتابه قد أقنَعه تمام الإقناع، وبخاصة ما جاء فيه عن الخندق مما يمثِّل المسمار الأخير في نعش ما يعدُّه خرافة لا صِلة لها بالواقع؛ إذ إن هذا الخندق (الذي تذكُر كتب السيرة والحديث والتاريخ أن المسلمين في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد حفروه لحماية المدينة من هجوم الأحزاب عليها) هو في رأيه أمْرٌ لا وجود له في الواقع، ذلك أنه ليس ثمة دليل على أنه قد تمَّ حفْره فعلاً، ومن ثم فكل ما يقال عن الرسول ووجوده التاريخي هو محض هُراء، ولا ينقص إثبات ذلك إلا شيء واحد، هو أن يتم التحقُّق، عن طريق الحفر أو التصوير الجوي، من أنه لم يكن هناك خندق بالمرة، وعندئذ يتبيَّن للمسلمين أنهم كانوا يعيشون طوال هاتيك القرون على وهْم كبير، ومن ثم يتركون الإسلام نهائيًّا.والملاحظ أن المنطق المستخدَم في كلام المعلِّق والمؤلِّف جميعًا هو منطق متهافِت تمام التهافت كما سيتبيَّن للقارئ عندما نأتي إلى تحليل هذه الأفكار التي لا يمكن أن تدور إلا في عقل مضطربٍ أو عقلٍ قصَدَ صاحبُهُ قصدًا منذ البداية التشكيك في كل شيء دون أدنى دليل: التشكيك لمجرد التشكيك، رُغم كل الطنطنات المدوية التي تكاد أن تتفجَّر منها رؤوسنا!