"مالك" لديه سيارة جديدة وفخمة إشتراها له والده القاضي "عساف" الذي يملك العديد من الأراضي والعقارات إضافة إلى أرصدته المالية الضخمة في البنوك، وكل هذه الثروة جمعها الشيخ "عساف" خلال عمله في القضاء ولا يعرف لها مصدر قانوني معين، أما صديقه "مازن" فسيارته قديمة وصغيرة ووالده موظف قديم في إدارة الصحة العامة ولم يبق على تقاعده الوظيفي...
قراءة الكل
"مالك" لديه سيارة جديدة وفخمة إشتراها له والده القاضي "عساف" الذي يملك العديد من الأراضي والعقارات إضافة إلى أرصدته المالية الضخمة في البنوك، وكل هذه الثروة جمعها الشيخ "عساف" خلال عمله في القضاء ولا يعرف لها مصدر قانوني معين، أما صديقه "مازن" فسيارته قديمة وصغيرة ووالده موظف قديم في إدارة الصحة العامة ولم يبق على تقاعده الوظيفي إلا بضعة أشهر وليس له دخل آخر غير راتبه الذي يذهب نصفه لتسديد فواتير العلاج والخدمات العامة والرسوم الحكومية التي يتغنى أبناء جبران في إختراعها وزيادتها كل بضعة أشهر، ولذلك بالكاد تمكن طاهر والدماز، من إمتلاك بيت صغير لأسرته بعد أكثر من ثلاثة عقود من الخدمة في حكومة آل جبران.وفي الوقت الذي يضطر فيه أفراد شعب السلطنة إلى دفع كل ما يملكون كل قلته، ويعانون الوبلات لإيجاد مسكن مناسب لهم ويقضون السنين الطوال يجمعون ويقترضون الأموال حتى تتمكن العائلة المتوسطة الحال من شراء أو بناء بيت صغير لها، تستولي العائلة الحاكمة على مساحات كبيرة ومتعددة في كل مكان في السلطنة، كما يمتلك أصغر أمير أكثر من بيت في عدة مدن إضافة إلى تمتعه بمزايا إجتماعية وطبية وأمنية خاصة ومستدامة لا تتأثر بالأزمات الإقتصادية الداخلية ولا الخارجية، وبحكم نفوذ زوجها "سهران" وسلطته الواسعة تمتلك "غزالة" عدداً من القصور والعقارات الإستثمارية داخل السلطنة وخارجها؛ رغم أن قصرها في مدينة البوابة أصغر حجماً من قصرها الأول في العاصمة، إلا أنه يتميز عنه بفخامته الداخلية وبإطلالته العلوية على البحر...يقود "مالك" و"مازن" قضاء أغلب يوم الخميس من كل أسبوع خارج منزلهما يتناولان خلاله طعام الغداء في أحد المطاعم المشهورة بالأكلات السريعة، ثم التوجه لأحد المقاهي على شاطئ البحر، وفي المساء يحين موعد الأسواق التجارية ومقالات الفتيات، ومع مغيب شمس ذلك اليوم الصيفي كان مالك يقود سيارته الجديدة متوجهاً ناحية البحر وبجانبه صديقه "مازن"، وخلال مرورهما بجانب الحديقة التفت "مازن" ناحية اليمين فشاهد على الرصيف الواصل بين الحديقة والقصر فتاتين تتمايلان أثناء سيرهما وتتصاحكان بطريقة مثيرة، فلفت ذلك إنتباه "مالك" الذي كان يقود السيارة فقرر الدوران حول القصر والعودة من بداية الطريق ليدخل إلى المسار الفرعي المحاذي لرصيف المشاة حتى يستطيع هو وصديقه ممارسة هوايتهما الفتاتين عن قرب، وفي كل مرة يعود فيها لنفس المكان يجد فتيات آخريات يسرن على نفس الرصيف فيزداد "مالك" إصراراً على مواصلة الكرة مرة أخرى... ومن سوء حظ صديقين أن فصل الربيع في هذا العام بالذات شهد أحداثاً وتهديدات أمنية من جماعات إرهابية تستهدف شخصيات حكومية في البلاد.ولذلك كان الإشنياه في حركة سيارة "مالك" أمراً طبيعياً... كاميرات المراقبة سجلت دوران سيارة "مالك" ثلاث مرات حول القصر؛ إضافة إلى توقفه قرب البوابة الجنوبية أكثر من مرة بنمو لافت، والمعلومات المتوفرة لدى الأجهزة الأمنية تؤكد أن هناك تهديدات محتملة لشخصيات أمنية، وكذلك لبعض المتنغذين في الأسرة الحاكمة، ولذلك كان الإشتباه في تنفيذهما مهمة مراقبة وإستطلاع للمكان تهيئة لعملية إراهبية؛ فاعتقل مالك صاحب السيارة ورفيقه "مازن"...وضع الصديقان رهن الإعتقال في غرفتين منفصلتين ملتهبتين بحرارة الصيف والخوف، مما جعل من هذه الحادثة الطارئة بداية لتجربة جديدة ومرعبة في آن واحد لم يخطر ببال ابن القاضي أو صديقه اللذين لم يتعرض خلال حياتهما السابقة لأي عوقبة، إنه سيأتي يوم يتعرضان فيه لورطة سياسية أو أخيه لا ناقة لها فيها ولا جمل؛ بعد شهر من التحقيقات شبه اليومية ثم تحويل الصديقين من مركز التحقيق إلى السجن السياسي حيث وضع مالك في زنزانة رقم 7 وكان فيها شابان أحدهما في العقد الثالث من عمره والآخر في العقد الرابع وتهمتهما تجنيد وتمويل عمليات إرهابية، بحسب الوصف الرسمي؛ أما مازن فقد وضع في زنزانه رقم 10، وكان فيها أربعة شبان تتراوح أعمارهم بين 25 و 35 سنة متهمين بتنفيذ عمليات إرهابية أو جهادية، كما يصفونها ضدّ مقيمين غربيين وشخصيات أمنية محلية.يفتتح المشهد الروائي على صورة مرمزة للوزير "سهران" ولزوجته "غزالة"، والوزير هو أحد أبناء السلطان "جبران" "الخامس" من سلالة "جبران" "الأول" الذي آلت إليه أمور السلطنة التي تولها حكمها بعد وفاة السلطان والد زوجته... ومهما يكن من أمر فقد سعى الكاتب جاهداً أن يجعل الأبواب مشرعة على مشاهد هذه السلطنة ليكشف عن ما يتخذ فيها من أمراض من الداخل والخارج معرباً بذلك السلطان ومن يلوذ بحياه؛ وقد نجح الكاتب إلى حدٍّ كبير في طريقة رسمه لتلك الشخصيات التي كانت تقيم في السجون (رجالاً ونساء) لتعرية تلك السلطنة من خلال الأحداث والحوارات التي كانت تساعده على تجاوز الخطوط الخبراء في ما يمكن أن يقال حول تلك السلطنة التي إنما أرادها أن تكون بمثابة إسقاط على واقع معاش، واقع مأساوي يعيشه مواطن قدره أنه اتخذ درعاً لحماية تلك السلطنة وذلك السلطان.