الشعر الأندلسي وصدى النكبات

لقد كان لمحنة الأندلس، وقع عميق في نفوس العرب غير أنها لم تثر وحي الشعر كما أثاره من قبل سقوط الدول والقواعد الأندلسية، أيام كانت الدولة العربية في أوج ازدهارها، ذلك أن الشعر الأندلسي كان قد انهار منذ بعيد وتحطمت الأقلام، ومع ذلك فقد صدرت في رثاء الأندلس نفثات قوية مؤثرة تهز أوتار القلوب.وإذا نحن أقمنا توازناً لحصيلة التأمل في هذا الشعر مع ما يرسيه من قيم لرأينا غلبة القيم السلبية التي تدعو الناس إلى الهروب والخنوع والاستسلام، على القيم الإيجابية التي تنادي الناس للرفض والصمود، ومن الملاحظ أن هذه الدعوات إلى الاستسلام والخضوع لم تظهر إلا في أواخر عهد الأندلسيين، حيث سقط الفكر وخبا صوت الشعر عاكساً العجز والانحطاط على أثر سقوط غرناطة آخر مملكة من ممالك الأندلس. فراح يسجل تلك النهايات بكلمات دامية وعبارات قاسية، وكان خير معبر عن هذه النكبة. ولم يكتف هذا الشعر بعرض الأحداث والوقوف على سطحيتها بل غاص أحياناً على الأعماق منتزعاً منها دلالات وإشارات تحاول تحليل الهزيمة واستنتاج الانكسار. وفي هذا الكتاب دراسة نظرية تحليلية دوّنها الدكتور "يوسف عيد" أستاذ الأدب الأندلسي في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية استعرض في مقدمتها مدى انعكاس الهزائم وصدى أصواتها على الشعراء، راداً على سؤال في غاية الأهمية وهو: هل نجح الشعراء في تصوير هذه المرحلة التي كانت بدءاً لخروج العرب من تلك البلاد وحول إسبانيا عهداً جديداً في الحضارة.أما فصل الأول: فخصصه للحديث عن مجموعة من القضايا الرئيسية التي تناولها شعر السقوط، ومن أهم هذه القضايا الوطن وقضية البطولة والإنسان، أما الفصل الثاني فخصصه لتحليل أغراض الشعر الذي ظهر في هذه الحقبة من الزمن في الأندلس. في حين أفرد، الفصل الثالث والأخير للحديث عن النواحي الفنية في شعر النكبات محاولاً الاستنارة بانعكاس معطيات التأثير المشرقي في قصيدة الهزيمة ليخلص من هذا إلى تقرير ما للأصالة الأندلسية من نصيب في هذا الشعر وما للتبعية في نصيب آخر منه، ومن أجل ذلك اعتمد على الصورة واللفظ والبناء في هذا الشعر فضلاً عن المقاييس الأدبية الأخرى من ناحية ونماذج شعرية وملامح عامة من ناحية أخرى.