اسمه الحسن بن هانيء، كنيته أبو علي، لكنه اشتهر بكنيته الثانية، أو قل بلقبه المشهور، أبي نواس، قيل لأن أباه من اليمانية، فلقب بهذا اللقب، أو كني بهذه الكنية تيمناً بذي نواس، آخر ملوك حمير التبابعة، وقيل لأنه كان يرخي ذؤابتين أو ضفيرتين تتدليان من شعره فتنوسان، أي تتحركان، فوق عاتقه.أهم محطة في حياته كانت تلك التي حط فيها رحالة عن...
قراءة الكل
اسمه الحسن بن هانيء، كنيته أبو علي، لكنه اشتهر بكنيته الثانية، أو قل بلقبه المشهور، أبي نواس، قيل لأن أباه من اليمانية، فلقب بهذا اللقب، أو كني بهذه الكنية تيمناً بذي نواس، آخر ملوك حمير التبابعة، وقيل لأنه كان يرخي ذؤابتين أو ضفيرتين تتدليان من شعره فتنوسان، أي تتحركان، فوق عاتقه.أهم محطة في حياته كانت تلك التي حط فيها رحالة عند كل من خلف الأحمر، ووالبة بن الحباب، ومطيع بن إياس، ثلة من الشعراء المفسدين اللاهين العابثين، ما أثر في الشاعر أبلغ الأثر، فاتبع مذهبهم، واحتذى حذوهم، لاهياً لهوهم، وعابثاً عبثهم، وماجناً مجونهم، شارباً، بلب مدمناً على الخمرة إدمانهم، مسجلاً كل هذا في شعره الذي جاء حافلاً بقصائد الغزل بالغلمان، والمجون والخمرة، ما أكسبه شهرة ما حظي بها شاعر قط، فكان بلا منازع ممثل شعر الخمرة على مر عصور الأدب العربي.قصد النواسي بغداد، عاصمة الخلافة، طمعاً في المال والشهرة، عن طريق المديح، فاتصل بالرشيد، فمدحه، مثلما اتصل بولي عهده الأمين الذي أضحى خليفة من بعد، فقربه إليه وأدناه، وجعل منه نديماً وجليساً يأنس به في ساعات لهوه وفراغه.أسرف النواسي في حياته، على نفسه إيماً إسراف، وأغرق في إتباع الشهوات، وفعل المحرمات، فكان تبع جمال ولهو وطرب وغناء وخمرة ترك فيها، أي في الخمرة، من الشعر، دونما وازع من خلق، أو رادع من دين، ما لم يتركه سابق ولا لاحق، فوصف الخمرة وصفاً دقيقاً، وأحاط بكل ما يتعلق بها، لوناً، رائحة، مذاقاً، تأثيراً، كؤوساً، دناناً، ساقياً وساقية، ندامى، إحاطة تامة قصر عنها معاصروه والتابعون. كان هذا دأبه حتى سن متأخرة، فتاب إلى ربه، واقلع عن الخمرة إلى أن حان حينه فكانت وفاته سنة 199هـ/814م.بمثل هذا عرف النواسي، وبهذا الوجه، وجه الخمرة، والتهتك والشذوذ والانحراف، شاع شعره واشتهر، حتى أنه أدخل عليه شعر كثير لم يقله، ونسب إليه من القصص والنوادر، من أحاديث العبث والفسق واللهو والفجور، الشيء الكثير. وما كان أكثر الدراسات والأبحاث التي تناول فيها أصحابها شعر الخمرة عند النواسي، مكتفين بهذا الجانب أو الوجه الذي شهر به، مهملين الجانب الآخر، أو الوجه الآخر، وهو جانب لعمري يستحق الاهتمام والدرس والمطالعة والشرح والتحليل.إن الاكتفاء بإبراز الوجه الخمري النواسي، وإهمال الوجه الآخر، يطرح سؤالاً يتمثل بالقول: هل إن الخمرة أو شعر الخمرة هو كل شيء عند ذلك الشاعر الماجن، أم أن ثمة شعراً آخر، وجوانب ومواهب أخرى، إن لم يتفوق بها على شعره الخمري، كماً ونوعاً، فهي على الأقل، تناظر أو تشابه ما عند الآخرين؟