قال لها: ألا تعتقدين أنه يجب أن ترى الأشياء كما هي؟ زعم ميشليه أن الحبيب الذي يحافظ على رباطة جأشه ليميز الصدق من الكذب في الأقوال المعسولة التي يقولها له من يحبه، يشعر بالصغارة والذل.هذه حماقة لا يستغرب صدورها عن أبناء القرن التاسع عشر الأرعن. ليس من الذل أن يحافظ المرء على رباطة جأشه. ومن المجد العظيم أن يرى الإنسان الأشياء كم...
قراءة الكل
قال لها: ألا تعتقدين أنه يجب أن ترى الأشياء كما هي؟ زعم ميشليه أن الحبيب الذي يحافظ على رباطة جأشه ليميز الصدق من الكذب في الأقوال المعسولة التي يقولها له من يحبه، يشعر بالصغارة والذل.هذه حماقة لا يستغرب صدورها عن أبناء القرن التاسع عشر الأرعن. ليس من الذل أن يحافظ المرء على رباطة جأشه. ومن المجد العظيم أن يرى الإنسان الأشياء كما هي بكل حقيقتها. والحقيقة، في ما يتعلق بنا، هي أني غير مغرم بك. لك في نفسي عطف يمازحه حنان وتقدير واحترام من جهة، ورغبة شهوانية من جهة أخرى. ولكن هذا كله ليس حباً غرامياً، والحمد لله. إنما هو شيء أسميه طريقتي في الحياة، الطريقة التي أكون فيها كما "أنا" بكل حقيقتي، وهي شيء في منتهى الجودة. وهذا وحده يكفي لإقناعك بأن ما لك في نفسي ليس غراماً. فالرجل يحب المرأة حب صداقة "لأن...", ولكنه يحبها حباً غرامياً "على الرغم من أن..."، والفرق بين الحبين واضح. وقد جعلتني التجارب أعتقد أن طريقتي تعجب النساء، لأنهن -على ما رأيت- أشد حاجة إلى العطف والحنان منهن إلى الغرام. وأنت أيضاً لست مغرمة بي. أفليست هذه هي الحقيقة؟فحركت رأسها يميناً ويساراً وهي ترفع كتفيها قليلاً، وعلى وجهها ابتسامة تعبر عن اللهو والعبث، فكانت حركتها مفعمة بالرونق والفتنة، كحركات القسم الأكبر من فتيات المجتمع الميسور، ثم قالت: لا، لا أعتقد أن هذه هي الحقيقة بكل دقة... أعني أني لا أحبك حباً عاطفياً. قال بلهجة الواثق بنفسه: هناك دليل كبير على أنك غير مغرمة بي، وهو أنك لا تسألين مطلقاً عن حياتي الخاصة، ولا يحمر وجهك عندما يحدثك ذووك عني، ولم تبحثي قط عن اسمي في لوائح الشخصيات الباريسية، ولم تأت إلى شارع "هنري مرتان" في الأيام الأولى من حبنا لتعريفي أين يقع منزلي، ولم يخطر في بالك مرة أن تكتبي اسمي على ورقة عفوياً ودون تفكير.وكان يسرد هذه الأدلة بصيغة السؤال، فتحرك رأسها سلباً للموافقة على ما يقول، وعلى وجهها تلك الابتسامة اللاهية العابثة. لقد نامت مرة وأحد مؤلفات كوستال في يدها، تحت اللحاف، وكان ذلك بعد أن قبّلها للمرة الأولى. ولكن هذه الحماسة كانت في البداية، لأن طبيعة سولانج فوجئت فانحرفت قليلاً عن مجراها العادي، أما الآن فليس من المحتمل أن تعود إلى مثل هذا التصرف الصبياني."رحمة للنساء" حلقة من سلسلة عنوانها الفتيات تضم أربع روايات (الفتيات، رحمة للنساء، شيطان الخير، الموبوءات). في هذه الرواية جعل المؤلف من البطل كوستال، شخصية مريبة تبعث القلق في النفس وكريهة تثير الاشمئزاز، فهو يخضع لما تفرضه عليه مخلفات قرون من عبادة المرأة، وتتمثل فيه رواسب العقائد التي كانت تطبق قديماً بشأن المرأة، كالحب المسيحي والحب الفروسي، والحب الرومنطيقي. والمرأة تعرف هذا النوع من الرجال حق المعرفة، لذا فإنها تراوغ وتتقلب وتتهرب وتحاول التمويه والتضليل. وهذا النوع من الرجال يخترع واجبات سخيفة يفرضها على نفسه لمصلحة المرأة بدافع الشهوة الجنسية وهي واجبات لا أساس لها من المنطق والحقيقة.