"لي مخيلة جامحة أيها السادة، وكثيراً ما كنت أنسج قصصاً عن أصدقائي الذين يغيبون وتنقطع أخبارهم عني، متناسية قصصهم الحقيقية، وبعد فترة طويلة أصبحتُ لا أفرّق بين ما حدث لهم فعلاً، وما ابتكرته مخيلتي، هذا الأمر يريحني في كثير من الأحيان، وفي أحيان أخرى يحرجني أمام العهد الذي قطعته أمام نفسي بعدم نسيان حكاياتهم.تفرّق الأصدقاء، كل واح...
قراءة الكل
"لي مخيلة جامحة أيها السادة، وكثيراً ما كنت أنسج قصصاً عن أصدقائي الذين يغيبون وتنقطع أخبارهم عني، متناسية قصصهم الحقيقية، وبعد فترة طويلة أصبحتُ لا أفرّق بين ما حدث لهم فعلاً، وما ابتكرته مخيلتي، هذا الأمر يريحني في كثير من الأحيان، وفي أحيان أخرى يحرجني أمام العهد الذي قطعته أمام نفسي بعدم نسيان حكاياتهم.تفرّق الأصدقاء، كل واحد منهم مضى إلى مصير كان سيعجز عن استيعابه قبل سنوات لو علم بنوع ذلك المصير، لم أعِ هذه الحقيقة، إلا بعد أن بدأت خطواتي تسلك مصيراً آخر غير ما كنت أتوقع، ربما كنت الوحيدة التي تركت زمام أمرها دون أن تسعى لشيء، مصيري هو الذي قاد خطواتي فتبعتُه، في بعض الأوقات أشعر بالرضا لما آلت إليه الأمور، فامرأة مثلي كان يمكن أن تُقتل برصاصة طائشة، أو يتشظى جسدها بفعل انفجار أعمى، أو تُختطف وتصبح وليمة لغرائز اللصوص، وفي أوقات أخرى يسكن الحزن قلبي على كثير من الفقد، أتذكّر ذلك الحزن الشاسع، عندما مات أبي، وتبعته أمي بعد أيام قليلة.. الآن بدأتُ أشعر بأنهما محظوظان حينما انتهت حياتهما، قبل أن يستوطن الرعب بلادي، ربما لو كانا على قيد الحياة لاختلف شكل موتهما وفقد قدسيته"