مع أننا نحمل للطفولة حناناً ومودةً لا حدود لهما، ويحلو لنا أن نسبغ عليها أجمل النعوت، إلا أننا لم نلب لها إلا بعضاً من حاجاتها الأدبية والصحفية، ولا يعود ذلك إلى تلكؤ منا بقدر ما يعود إلى جهلنا بكثير من تلك الحاجات، وخاصةً تلك التي تتمثل في الجوانب النفسية والفنية والاجتماعية، ويرافق ذلك جهل بأساليب وفنون إشباعها. ويؤلف أدب الأط...
قراءة الكل
مع أننا نحمل للطفولة حناناً ومودةً لا حدود لهما، ويحلو لنا أن نسبغ عليها أجمل النعوت، إلا أننا لم نلب لها إلا بعضاً من حاجاتها الأدبية والصحفية، ولا يعود ذلك إلى تلكؤ منا بقدر ما يعود إلى جهلنا بكثير من تلك الحاجات، وخاصةً تلك التي تتمثل في الجوانب النفسية والفنية والاجتماعية، ويرافق ذلك جهل بأساليب وفنون إشباعها. ويؤلف أدب الأطفال أداة فنية من أدوات تنشئة الطفولة، التي تعتبر ركيزة المستقبل، لأنه يسهم في بناء شخصيتها التي تقوم عليها في الغد شخصية المجتمع الجديد. ورغم الأهمية التي يحتلها أدب الأطفال في بناء الطفولة، إلا أن أدباً عربياً لأطفالنا لم يتبلور بعد. يضاف إلى ذلك أن بحوثاً في هذا الميدان لم تجر حتى اليوم، في الوقت الذي تتلاحق فيه البحوث والدراسات عن الأطفال وآدابهم في بلدان العالم المتقدمة، بل أدخل أدب الأطفال كمادة منهحية في كثير من كليات الإعلام والآداب ومعاهد التربية وإعداد المعلمين، لا في البلدان المتقدمة وحدها، بل في كثير من بلدان العالم النامية أيضاً. وهذه الدراسة التي أضعها بين يدي القارئ، هي إحدى الجهود التي بذلتها في حياتي العملية في ميدان الكتابة للأطفال. وقد قسمت هذه الدراسة إلى أبواب، وقسمت كل باب إلى عدد من الفصول: تناولت في الباب الأولجمهور أدب الأطفال من حيث خصائصه واستجاباته للأشكال والمضامين الأدبية، وتناولت في الباب الثاني أدب الأطفال تعريفاً ونشأة، وتناولت في الباب الثالث فنون أدب الأطفال، وتناولت في الباب الأخير وسائط الأطفال إلى أدبهم وخصائص كل وسيط. ومع هذا لا بد لي أن أقول –مستعيراً عبارة العماد الأصفهاني: "إنني رأيت أنه لا يكتب أحد كتاباً في يومه إلا قال في غده: لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد هذا لكان يستحسن، ولو ترك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر". وهذه الدراسة لا تهم كتاب الأطفال وأدباءهم فقط، بل تهم –كما يبدو لي- كل أب وكل أم وكل معلم، وكل من يرتبط بالطفولة بأي رباط. ورغم ما لاقيت من معاناة خلال سنوات وضع هذه الدراسة، إلا أنني سعيد بها اليوم، لأنني حملت مجذافاً وضربت به المياه الراكدة. عسى أن تفتح هذه الدراسة الباب على مصراعيه لمزيد من الدراسات والبحوث في هذا المجال.