استطاع الإنسان عبر تاريخه الطويل أن يتغلب على ما يعترضه من صعوبات، وما يواجهه من أزمات وتحديات بفضل قدرته على التغيير، وقابليته للتغير، واستثمار ما لديه من قدرات وطاقات، وبفضل قدرته اللامحدودة على التعلم بصورة عامة، والتعلم الذاتي على وجه الخصوص. والحق أن التعلم الذاتي بشكله الأولي البسيط، قديم قدم الإنسان، فقد كان السبيل الوحيد...
قراءة الكل
استطاع الإنسان عبر تاريخه الطويل أن يتغلب على ما يعترضه من صعوبات، وما يواجهه من أزمات وتحديات بفضل قدرته على التغيير، وقابليته للتغير، واستثمار ما لديه من قدرات وطاقات، وبفضل قدرته اللامحدودة على التعلم بصورة عامة، والتعلم الذاتي على وجه الخصوص. والحق أن التعلم الذاتي بشكله الأولي البسيط، قديم قدم الإنسان، فقد كان السبيل الوحيد لديه لمواجهة قوى الطبيعة وقهرها، والسيطرة عليها، والسبيل إلى إضفاء الطابع العقلاني على سلوك الأفراد والجماعات. لكن تنامي الخبرية الاجتماعية وتنوعها في مختلف الميادين، جعل أساليب التعلم الذاتي التي توصّل إليها الإنسان في فجر حضارته قاصرة على استيعاب هذه الخبرة، مما خلق حاجة ماسة إلى وجود مؤسسات اجتماعية متخصصة تعينه على القيام بمثل هذه المهمة، وهكذا وجدت المدرسة منذ مئات السنين، كمؤسسة تعليمية، تثقيفية، اجتماعية، أخلاقية... الخ وقد استطاعت أن تتطور، وتطور طرائقها وأساليب عملها عبر العصور، وإلى فترة ليست ببعيدة كانت تعيش عصرها الذهبي. لكن التغييرات الشاملة والعميقة التي طرأت على كافة نظم المجتمع ومؤسساته، وفي عدادها المدرسة، جعلت هذه الأخيرة تئن تحت وطأة المهام الجسام الموكلة إليها.ومن ناحية ثانية، فإن الظروف التي يمر بها العالم اليوم، حالت وحول بين المتعلم وحسن متابعته الدراسة النظامية في المدرسة، أو تحقيق الفائدة المرجوة من هذه الدراسة، مما أكسب التعليم الذاتي بعداً جديداً، وأرغم العلماء والمربين على التفكير، من أجل إيجاد سبل وطرائق تسرّع عملية التعلم والتعليم، وتعوض الوقت المهدور والضائع قسراً في ظل الظروف التعليمية التقليدية السائدة، بحيث يؤدي ذلك كله إلى دعم المدرسة وتعزيز جهودها وتمكينها من استئناف دورها التاريخي.ولعل من أهم ما توصل إليه العلماء في هذا المجال، هو التأكيد على ما كان الإنسان قد بدأ به حياته، أو وهو التعلم الذاتي، بحيث يستفيد مما مرت به المدرسة من تجارب وخبرات غنية وقيمة، وما أنجزته الحضارة من طرائق وأساليب علمية متعددة.ومع زيادة حجم المعلومات ونوعها، أصبح من المتعذر على المدرسة عموماً، والمدرسة العربية بصورة خاصة، مواجهة هذا التدفق المعلوماتي بمفردها، لذا فإن الطريقة المناسبة للتصدي لهذه المشكلة تكمن في أن نعلم المتعلم كيف يتعلم بنفسه وفق طرائق واتجاهات تربويه نفسية متعددة المداخل، مما يسهل على المدرسة القيام بالأدوار الملقاة على عاتقها، ويتيح المجال للمتعلم الراغب والكفؤ أن يواصل دراساته واستقصاءاته معتمداً على ذاته. ولقد لقي هذا الاتجاه سنداً له في تقرير اللجنة الدولية لليونيسكو، الذي يؤكد على أنه: "ينبغي أن يكون المبدأ الذي يقوم عليه أي نظام تربوي، هو تركيز النشاط كله على المتعلم".لقد غدا التعلم الذاتي إحدى الاستراتيجيات الرئيسة الرامية إلى تطوير الأنظمة التربوية وتحديثها في جميع أنحاء العالم. ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب الذي يطرح على بساط البحث التعلم الذاتي في عصر المعلومات متناولاً المحاور التالية: الأسس النفسية للتعلم الذاتي، المدخل السلوكي في التعلم، المدخل المعرفي في التعلم، موازنة بين المدخلين؛ السلوكي والمعرفي في التعلم، التعليم الذاتي الجماعي، استخدام الحاسوب في التعلم والتعليم الذاتيين، دراسة تطبيقية حول التعليم الذاتي وفق المدخلين السلوكي والمعرفي، عرض وتحليل ومداخلات، التصميم التجريبي وتطوير البرامج، تطبيق تجربة التعلم الذاتي النهائية وفقد المدخلين السلوكي والمعرفي، تحليل نتائج التقويم النهائي للتعلم الذاتي وفق المدخلين السلوكي والمعرفي، خلاصة البحث ومقترحاته.