لقد انطلقت في كتابة سيرتي الذاتية هذه، من واقع حياتي: الخاصة والعامة، متخذة منها أرضية صلبة وينبوعا فياضا لجميع أحداثها ومراحلها واللقطات، التي اقتطفتها منها وسجلتها في تسلسل منطقي، حسب تواريخها أو زمانها ومكانها..لكنني لم أكتف بتسجيل واقعها كما هو، وإنما سجلته من خلال معاناتي الخاصة، بجميع أبعادها، مستشفة كنه الأحداث، مستنطقة ل...
قراءة الكل
لقد انطلقت في كتابة سيرتي الذاتية هذه، من واقع حياتي: الخاصة والعامة، متخذة منها أرضية صلبة وينبوعا فياضا لجميع أحداثها ومراحلها واللقطات، التي اقتطفتها منها وسجلتها في تسلسل منطقي، حسب تواريخها أو زمانها ومكانها..لكنني لم أكتف بتسجيل واقعها كما هو، وإنما سجلته من خلال معاناتي الخاصة، بجميع أبعادها، مستشفة كنه الأحداث، مستنطقة للشخصيات، سابرة أغوارها، متتبعة للعوامل والأعراض، متصدية لتشخيص مواطن الداء ووصف الدواء، ومعالجة الأسباب للقضاء على المسببات، بطرح البدائل والحلول، للتخلص من عيوب ذلك الواقع وأضراره ومثالبه...ذلك أنني صورت الواقع من منظوري الخاص، انطلاقا من معايشتي للأحداث عن كثب، ومعاناتي الذاتية منها، ومعاشرتي لشخصياتها الواقعية، واحتكاكي بأبطالها، واكتشافي لحقيقتها البشعة المقنعة بالرياء والتملق والمداهنة الزائفة…وإذا كنت قد تركت الأحداث تسير حسب الاتجاه الذي اتخذته في الواقع، ولم أتدخل لتصحيح مسارها وتوجيهها للنهج القويم، الذي يجب أن تسير فيه، فإن ذلك لا ينفي أنني حرصت على إعادة إنتاج الواقع من خلال رؤيتي الخاصة، الأكثر انسجاما وتلاؤما مع ما أراه صوابا أو واجبا وحقا، وبالتالي من خلال قراءتي لخلفياته، قراءة فنية خاصة.كما أنني تعمدت إبراز التأثير العميق لجميع الأحداث، على نفسيتي وعلى معنويات جميع الشخصيات والشرائح والطبقات الاجتماعية، ومدى معاناتي ومعاناتها كلها منها، على صعيد الأفراد والأسرة والعائلة والمجتمع: رجالا ونساء شيوخا وأطفالا. وذلك بتعرية الواقع، واستعراض سلبياته وإيجابياته أو تبيان ماله وما عليه من محاسن ومساوئ أو خير وشر...وزيادة على اهتمامي بتصوير معاناتي، مع جميع الشخصيات في جميع المراحل واللقطات، فقد ركزت اهتمامي الخاص على المجالات: الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الوطنية والقومية، باعتبار مرحلة التطور الاجتماعي، وطور الوعي والنضج السياسي، اللذين عرفتهما البلاد في كل طور من أطوار حياتي، التي وافقت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى يومنا هذا، وحتى ما شاء الله تعالى. سواء على الصعيد المحلي الوطني أو الإقليمي أو الدولي، دون أن أغفل أو أتغاضى عن ربط مجرى تلك الأحداث بالواقع: السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي الفكري، ومدى دورها الإيجابي أو السلبي، في مجرياتها وعواملها الفعالة في كل ذلك: محليا وإقليميا ودوليا... ولا عن معاناتي منها، كسائر المواطنين، سواء في عهد الاستعمار البغيض، الذي يوازي طفولتي الأولى وصبايا، أو في عهد الحرية والاستقلال والوحدة، بإدماج الشمال مع الجنوب، الذي وافق فتوتي وشبابي الغض اليافع، وباقي مراحل حياتي حتى الآن وإلى ما شاء الله.لكنني مع ذلك، لم أهمل تلك الأحداث الصغيرة الجانبية ذات الأثر البعيد المدى، من حيث نتائجها وعواقبها وآثارها. فقد عملت على تجليتها وإبرازها وإثارة الاهتمام بها وبآثارها ونتائجها وعواملها ومعطياتها، وبالتالي بانعكاساتها المختلفة على جميع مجالات الحياة وقطاعاتها.ولعل الدوافع الخفية وراء كل ذلك، والحوافز التي كانت تحدو بي على النهج الذي نهجته في كتابتي لسيرتي الذاتية كلها، بجميع فصولها ولقطاتها، تكمن في أطياف الأحلام الوردية المجنحة، وآمالي العريضة في تحقيق حلم التغيير والتجديد والإصلاح العام الشامل، لجميع الأوضاع الفاسدة، التي عانيت منها في جميع مجالات الحياة وعلى جميع المستويات والأصعدة.لذلك حرصت على تصوير الحالة النفسية لجميع الشخصيات، من الأبطال وغيرهم، وميولهم ونزعاتهم ودوافعهم: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية والإدارية وغيرها، كجماعات وكأفراد، مسجلة محاسنها ومساوءها، مستقصية جذورها التاريخية الأصلية، مستلهمة إياها مستنطقة ومستشهدة ومستنبطة.وإذا كنت قد أعطيت الجانب النفسي والبعد السيكلوجي حقه في جل الأحداث والمراحل والفصول واللقطات، وتناولته من الداخل، فإنني حاولت التركيز في هذا المجال على استبطان العواطف والمشاعر الذاتية، وسبر أغوار الغرائز الفطرية لسائر الشخصيات، من الأبطال وغيرهم، كعنصر الحب والكراهية ونوازعهما وسلطانهما، ومدى استبداد جميع الحاجات والنزعات والغرائز الفطرية بالإنسان، وجبروتها في السيطرة عليه واستعباده وتوجيهه وجهة معينة في الحياة، وبالتالي تأثيرها البالغ على سير الأحداث وتطورها ونتائجها، رغم حرج ومغبة تناول ذلك المجال الشائك، الذي كان ومازال محفوفا بالمخاطر ومغروسا بالألغام المدمرة الناسفة، ومحاطا ومحاصرا بالحواجز: النفسية والعقلانية والاجتماعية وغيرها من الموانع والعوامل، التي كرسته منطقة محرمة، «الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود»، ولا سيما إذا كان امرأة. ولعل ذلك ما جعلني أتجنب بتلقائية عفوية وراثية وبيئية مكتسبة ومكرسة، أحداث حياتي الخاصة المتعلقة بهذا المجال، إلا اللمم، باعتبارها تكاد تكون منعدمة، وإلا الضروري منها لسياق صياغة الأحداث والفصول والمراحل واللقطات، ثم لكونها من أخص الخصوصيات لحياة الفرد الذاتية الخاصة، التي لا تهم ولا تعني أحدا سواه، وبالتالي لا يستشف منها أي شيء من شأنه أن ينفع القارئ أو يفيده...كما جعلني ذلك أركز اهتمامي على حياتي: الأسرية والدراسية والعلمية والأدبية والعملية الإدارية وغيرها. مسجلة إرهاصات جميع المراحل والأطوار، وأحداثها الهامة، في جميع ميادين الحياة على جميع الجبهات والواجهات...ولابد من الإشارة إلى أن القالب، الذي أفرغت فيه سيرتي الذاتية هذه، جاء بعيدا عن أية محاكاة أو تقليد لأي نموذج، أو تقيد بأية منهجية محددة، وخارج نطاق أية مدرسة أدبية أو فنية معينة في هذا المجال، شرقية أو غربية، التي من شأنها تقييد حرية الكاتب المبدع وكبح جماح موهبته الفنية وملكته الأدبية وعبقريته الخلاقة المبدعة. مما يدل على مدى تمسكي بالواقعية، وحرصي على سرد الوقائع المجردة، بصدق وأمانة وتجرد ونزاهة. مع الدقة في الوصف، وإعطاء صورة حية ناطقة عن الإطار المكاني للأحداث، وبالتالي عن روعة التراث العربي الأندلسي الشامي- المغربي القديم الأصيل، وبهاء وتناسق الفراش التطاوني العريق البديع، وتناغم وانسجام كل ذلك، مع اللباس المحلي التقليدي الأنيق الرشيق، ومع جميع مظاهر ومقومات الحياة، في سائر المجالات وعلى جميع المستويات والأصعدة –إذ ذاك- من عادات وتقاليد وأعراف اجتماعية، وطقوس دينية وأنماط وبروتوكولات سلوكية حضارية، داخل بيوتات المدينة. مما كان متعارفا عليه، ومتبعا بإجلال وإكبار لدرجة التقديس، بحيث لا يقبل من أحد، مهما علت درجته وسمت منزلته، الإخلال بأبسط بنوده، أو الخروج عن سياجه وطوقه الحديدي الخانق، ولو قيد أنملة، وبالتالي عن سائر مظاهر ومعالم تلك الحضارة التطاونية المغربية العربية الإسلامية العريقة الأصيلة. سواء في اللباس أو الفراش أو الطبخ أو الموسيقى والرسم والرقص. زيادة على البناء والعمران، وبالتالي في إقامة الأفراح والمآتم والأتراح وجميع أنماط السلوك والتعامل الجماعي والفردي، داخل الأسر والعائلات وبين سائر أفراد المجتمع. مما كان في جملته، مستوحى من مبادئ الإسلام السامية، ويستلهم تعاليم الشريعة الإسلامية السمحة، ويكرس نصوص الكتاب والسنة، التي يستمد قدسية طقوسه من قدسيتها، وينسجم معها في تناغم صنفوني حميم...ذلك أن هدفي من وراء كل ذلك، كان التأريخ لتلك الروائع الفنية التليدة الغابرة الآخذة في الاندثار، بمرور الزمن، وتخليدها والتعريف بها، وإبراز قيمتها الفنية والتاريخية والحضارية لأجيالنا اللاحقة، وإطلاعها على نفائس كنوزها، باعتبارها من صميم تراثنا الوطني التقليدي الأصيل، ومن روائع آثارنا ومعاقل حضارتنا المغربية العربية الإسلامية، في تلك الربوع العزيزة والبقاع الغالية، التي تؤرخ وتخلد مرحلة أنتروبولوجية من مراحلها العتيدة، في فترة انتقالية حاسمة من تاريخ المغرب الجديد.والواقع أن كل حدث أو لقطة أو فصل من هذا العمل الفني، محدد بإطار خاص به، من حيث الزمان والمكان، من أسرة أو مؤسسة تعليمية: مدرسية أو جامعية، أو إدارات عمومية أو شبه عمومية أو خاصة: وطنية أو إقليمية أو دولية، بالداخل أو بالخارج. لكنه في نفس الوقت ينصهر في بوثقة البناء العام لهذه السيرة الذاتية، بحيث يدعم أساسها ويوطد صرح بنائها الأدبي والفني العام الشامل، الذي يستلهم ويستوحي ويتفاعل مع المجتمع المغربي، بصفة عامة، ومع البيئة التطاونية، بصفة خاصة، بسائر مكوناتهما ومقوماتهما وبنياتهما وهياكلهما ومبادئهما وقيمهما ومثلهما...ومن جهة أخرى، فقد حرصت على أن أطرح، من خلال تفاعل الأحداث وشخصياتها وأبطالها، القضايا: الوطنية والقومية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية والفكرية والثقافية والعقلانية الكبرى، بسلبياتها وإيجابياتها وخيرها وشرها، كالفساد الإداري وقضية المرأة وحقوقها، والتخلف: الفكري والثقافي والفني والعقلاني، مع التزامي بالواقع: خيره وشره، وحرصي على أن أكون صادقة، سواء مع نفسي أو مع الآخرين، وبالتالي على صدق العاطفة الباعثة على الكتابة، والتي تمخضت عنها وعن إذكاء جذوتها وقدح زنادها وتوقد سراجها الوهاج...وهذا ما يجعل كل مرحلة أو فصل من هذه السيرة الذاتية، بل وكل لقطة أو صورة من لقطاتها وصورها، المرقمة والمدونة، صالحة لأن تكون أرضية خصبة لإعادة صياغتها وكتابتها من جديد، في إطار أحد الفنون الأدبية من: قصة أو رواية أو مسرحية أو قصيدة، وبالتالي في قالب فني آخر، كلوحة تشكيلية أو قطعة موسيقية أو غيرها من القوالب الفنية المختلفة...والحقيقة أنني اكتفيت بإطلاق العنان لذاكرتي، لتحلق مع أطياف الخيال القرمزية القزاحية المجنحة، وتعانق الأنغام المتدفقة من قيتارة العواطف والمشاعر، حتى تسطر ما علق بها وسجلته على شرائطها، وترك بصماته عليها، وبالتالي على نفسيتي. وذلك في تسلسل منطقي موازي لمراحل وأطوار حياتي العلمية والعملية: الإدارية والتعليمية، وكذا الثقافية والفكرية والأدبية وغيرها. بحيث اكتفيت بتسطيرها من إملائها، باعتبار أنني لم أدون أحداثها في إبانها، وبالتالي فإنها لم تكن مؤرخة...لذلك ارتأيت أنه من الأنسب كتابتها عن طريق المراحل والفصول، وترقيم اللقطات والصور للأحداث، حسب تسلسلها المنطقي الموازي لمراحل العمر وأطواره، بواقعية وصدق وأمانة وبالتزام وتجرد ونزاهة...كما حاولت أن اكتبها بموضوعية ومصداقية وبأسلوب واقعي سلس، ملائم لسير الأحداث وسياق صياغتها، حتى تصور حقيقة شخصيتي من جميع جوانبها: الفكرية والثقافية والعقلانية والاجتماعية والاقتصادية والروحية والنفسية، وبالتالي الدينية والوطنية والقومية. وتعمدت تعريتها وتجليتها وإسقاط جميع أقنعتها ورفع سائر ستائرها، حتى تبرز كما هي وعلى حقيقتها، دونما أية أصباغ ولا مساحيق ولا ماكياج، وبعيدا عن كل رياء أو زيف أو نفاق، ودون إعارة تفكير واهتمام لما عساها تسفر عنه نتائج ذلك، تاركة الحكم والتقييم للنقاد المقتدرين وللقراء الكرام، وحدهم ودون غيرهم.والواقع أنني قد انسقت أحيانا، وجرفني تيار الأحداث وتفاعلي معها، لدرجة الاندماج فيها كلية خلال كتابتها، حتى إنني تقمصتها من جديد، ولم أجد مندوحة من ذكر الحقائق المرة، دونما أي تحفظ ولا تملق ولا مداهنة ولا مواربة. لكنني تلافيت ذلك في أسلوب الصياغة لسياق الأحداث، ولغة الكلام للأبطال والشخصيات، حيث حرصت على عدم انزلاقهما نحو المبالغة أو الغلو، سلبا أو إيجابا، تحت تأثير العوامل النفسية، المذكورة، وبالتالي تحت تأثير المنظار الكاريكاتوري والمثالي، الذي أرى الوجود من خلاله، شأن جميع الشعراء والكتاب والباحثين المطبوعين، الباعث على السخرية والاستهزاء والتهكم بمرارة وحسرة، نتيجة استبطان الأحداث والشخصيات، وسبر أغوار الحقائق والأحداث، من الداخل والخارج، بملكة كشافة نفاذة خارقة، وبحدس قوي ملهم شفاف خلاق.ولابد من التأكيد هنا، على أن كل ما سجلته في هذه الفصول واللقطات من أحداث، ليس سوى قليل من كثير وفيض من غيض، وهو فقط ما علق بذهني، بعد أن هز مشاعري وترك بصمات ندوب وكلوم جروحه الثخينة الغائرة، على صفحات نفسيتي الرقيقة الشفافة، وأطياف روحي الورعة السائرة على المحجة البيضاء، التي ظاهرها كباطنها، وإلا فهي أكثر من أن تدخل تحت عد أو يشملها حصر...كما أؤكد أنني لم ولن ولما أندم قط على أي موقف وقفته، خلال تلك الأحداث المدونة في هذه اللقطات، على امتداد مراحل حياتي وإلى يومنا هذا. ولو أن الأيام رجعت بي القهقرى خطوات إلى الوراء. وأعاد التاريخ نفسه، لما ترددت في اتخاذ نفس المواقف وترديد نفس الأقوال وتكرار نفس الأفعال والسلوك، لثباتي على مبادئي وقيمي ومثلي، التي كانت ومازالت وستبقى ما بقيت، تحدوني وتدفعني وتحثني وتجعلني دائما، أفضل تكبد أية خسارة مادية، مهما كانت فادحة وماحقة، على أن أخسر مثقال ذرة من خردل من كرامتي واعتباري أو كنه كياني وإيهاب روحي، وبالتالي من أن أخسر نفسي.والحقيقة الناصعة، التي يجب ألا تعزب عن بالنا، أن جل هذه الأحداث، في جميع المراحل والفصول، وبكل لقطاتها وصورها المرقمة، تعتبر انعكاسا حتميا ملازما لما كانت ومازالت تعانيه وتقاسيه المرأة المغربية، بل والمرأة في جميع أقطار العالم الثالث، بما فيه العالم العربي والإسلامي، من رفض وإلغاء وتهميش، وما تعيشه من محاربة واطهاد واستهجان واحتقار وعنصرية جنسية، في جميع المجالات وعلى جميع المستويات والأصعدة، منذ أن ولجت ميادين الدراسة والتكوين والعمل، وفرضت وجودها فيها، بعد جهد جهيد وكفاح مرير ونضال طويل مستميت، لا لشيء سوى لكونها امرأة، ولاسيما إذا كانت ذات كفاءة وخبرة واقتدار ومصداقية والتزام في سائر أعمالها، بحيث تنافس وتتحدى أكفأ الرجال، وتبزهم في سائر المجالات الحيوية بجدارة وقمانة، لدرجة تشعرهم بالعجز عن مجاراتها. وخاصة متى كانت عفيفة تقية نقية طاهرة الذيل. إذ أنهم قد يقبلون بينهم بالمرأة الخاملة المجردة من أية مزية: علمية أو فكرية أو عملية، شريطة أن تكون لعوبا مستهترة...هذا زيادة على معاناة المرأة عموما: اجتماعيا وعائليا وأسريا، سواء كزوجة أو أم أو أخت أو ابنة، من تشييئها ومصادرة سائر الحريات والحقوق: الخاصة والعامة بالنسبة لها، واعتبارها مواطنة من الدرجة الثانية، لا لشيء سوى لأنوثتها. أضف إلى ذلك مظاهر العنف والإرهاب، التي تمارس ضدها، في جميع مراحل حياتها من: ضرب وتحرش ومراودة جنسية أو اغتصاب، وبالتالي سجنها بالبيت وقصر مهمتها على تربية الأولاد وأشغال البيت وخدمة الزوج، وجعلها عضوا غير منتج في الحياة، تعيش عالة على المجتمع والأسرة والزوج. مما يكرس تبعيتها: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها، ويلقي بها بين أسوار وظلمات عهد الحريم وعبودية الإماء. كما يعتبر مظهرا من المظاهر الملازمة للمرحلة العقلانية الانتقالية الحتمية، التي عشناها ونعيشها، والتي تتميز بالتدبدب بين الرجعية والتقدمية، أو بين امتهان المرأة واحتقارها واستعبادها، وبين تكريمها وإعطائها حقها في الحياة الحرة الكريمة، وكذا بين سن القوانين وتعديلها لصالحها، حتى تساير ركب العالم المعاصر، وتعود إلى أحضان الشريعة الإسلامية السمحة، التي لا ترفض ذلك، وإلى الاقتداء بالدلالات الاجتماعية وغيرها للتاريخ الإسلامي، التي تؤكد حق المرأة في ممارسة جميع حقوقها على أوسع نطاق، وعلى قدم المساواة مع الرجل، مصداقا لقوله تعالى : المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض|... الآية ، وقوله (ص): النساء شقائق الرجال في الأحكام|، وبالتالي تتميز بالتأرجح بين تقييد بنود كثير من القوانين، بالاستثناءات القانونية والتناقضات والحساسيات العملية، كتجميد روح الظهائر، التي تؤكد على عدم التمييز بين الجنسين، وتشترط لقبولهما في الوظائف كلها، نفس الشروط والمؤهلات. مما يخل بمبدأ المساواة بين المواطنين، رجالا ونساء، وبتكافئ الفرص بينهما، ويعرقل تطبيق القوانين: ميدانيا وعمليا، بكل ما ذكر من التناقضات، التي تحمل بذور وعوامل إلغائها وتعليقها وكفها عن العمل. مما جعل معاناتها هي نفس معاناة جيل القنطرة أو الجسر أو جيل التضحية ونكران الذات، جيل النهضة والأحياء والبعث، بالنسبة لجميع الأمم والشعوب، وبالتالي الجيل المخضرم بين عهدين: عهد بائد منصرم وعهد جديد مشرق. الجيل الذي يحتدم، بين أفراده وعناصره، الصراع بين المحافظين والمجددين أو بين التقليد والتجديد أو بين القديم والجديد. والذي تكمن مأساته ومعاناته في عطائه اللامحدود، كما ونوعا، وكفاحه ونضاله المستميت، على جميع الجبهات والواجهات، بهمة عالية لا تعرف الكلل ولا الملل، وبأريحية مثالية ومصداقية وأمانة ونزاهة والتزام، ثم مساهمته الفعالة في مجال البناء والتشييد وإقامة قواعد وأسس صرح العهد والمرحلة الجديدة، على أنقاض العهد القديم البائد المنصرم، دون أن يجني ثمرات جهوده، التي لم يكن يتوخى من ورائها ولا يريد عليها جزاء ولا شكورا. بل تقطف ثمار كل ذلك الأجيال الصاعدة واللاحقة، بمقتضى سنة الحياة وناموس الطبيعة والكون في التطور والارتقاء، وتصارع الأجيال وتنازعها البقاء، في تسلسل تلقائي حتمي. إذ غالبا ما يكون جزاء جيل التضحية والفداء جزاء سنمار، من طرف الجيل اللاحق الجاني لثمرات جهوده كلها والمستفيد منها، الذي يفوز بكعكة تتويج جهوده دونه، على طبق من ذهب، سنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلاً.