إن موضوع النسخ من الموضوعات الدقيقة والخطيرة التي شغلت أفكار كثير من العلماء قديماً وحديثاً، لأنه من الموضوعات الكي كثير الجدال والنزاع فيها. وأما عن تعريف النسخ الشرعي فقد عرفه القاضي والغزالي: بأنه الخطاب الدال على رفع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتاً مع تراخيه عند هذا وإن معرفة الناسخ والمنسوخ ركن عظيم ف...
قراءة الكل
إن موضوع النسخ من الموضوعات الدقيقة والخطيرة التي شغلت أفكار كثير من العلماء قديماً وحديثاً، لأنه من الموضوعات الكي كثير الجدال والنزاع فيها. وأما عن تعريف النسخ الشرعي فقد عرفه القاضي والغزالي: بأنه الخطاب الدال على رفع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتاً مع تراخيه عند هذا وإن معرفة الناسخ والمنسوخ ركن عظيم في فهم الأحكام الشرعية، ومعرفة الحلال والحرام.وقد تناول العلماء موضوع النسخ بالتأليف بشطريه في الكتاب والسنة، إذ السنة هي المصدر الثاني في التشريع، وألفت كتب في ناسخ القرآن ومنسوخه خاصة، كما ألفت كتب أخرى في ناسخ الحديث ومنسوخه خاصة، ومن العلماء من جمع بينها معاً، إلى جانب عناية علماء الأصول بهذا الفن في كتبهم وعلماء الحديث والتفسير والفقه.ضمن هذا الإطار يأتي كتاب "رسوخ الأحبار في منسوخ الأخبار" والذي اشتمل على الناسخ والمنسوخ في الأحاديث النبوية. ولقد رسم المؤلف لنفسه في هذا الكتاب منهجاً سار عليه في تدوين المعلومات، وقد سلك فيه مسلك الإيجاز والاختصار ومنهجه هذا وأسلوبه هو الأسلوب الذي درج عليه كثير من علماء عصره من الفقهاء والمحدثين والأصوليين وغيرهم من المؤلفين.وقد جمع في هذا الكتاب بين طريقة الفقهاء والمحدثين والأصوليين، ولم يلتزم بمنهج المحدثين فقط كغيره من المتقدمين الذين كتبوا في ناسخ الحديث ومنسوخه قبله، فهو لم يذكر الأحاديث بأسانيدها؛ ولكن قد يكون له عذر في هذا لأن كثيراً من المتأخرين في عصره لم يعد لديهم الاهتمام بذكر الأسانيد لطول سلسلة رجال الإسناد وعدم ضبط الرواة المتأخرين، فقد اكتفى المؤلف بالعزو في بعض المواطن إلى الأمهات من كتب السنة المشهورة؛ كالصحاح . والسنن، وغيرها.كما أنه لم يسلك أيضاً طريقة علماء الأصول في ترتيب مسائل النسخ في المقدمة التي عملها وجعلها مدخلاً للكتاب وهي مقدمة كلها مباحث أصولية في النسخ. ولم يسلك أيضاً طريقة الفقهاء في تلك المسائل الفقهية والخلافية التي ذيل بها في آخر المسائل الواردة في النسخ، فهو يورد المذاهب المختلف من القول بالنسخ أو عدمه بأدلتها ثم يبين الصواب أو الحق من ثبوت النسخ أو عدم ثبوته.وبهذا العمل جاء الكتاب جيداً في بابه، حيث جمع مادة حديثية وأصولية وفقهية مبتكرة، ونظمه تنظيماً تصاعدياً، فجعل كل موضوع مدخلاً لما بعده من المواضيع، فبدأ بذكر المقدمة وهي هامة ومفيدة، وتعتبر مدخلاً لمعرفة محتوى الكتاب، فقد استمدها المؤلف من كتب الأصول وقواعد هذا الفن وبعد المقربة، رتب المؤلف كتابه هذا على نسق ترتيب كتب الفقه، وتبع في الغالب ترتيب فقهاء الشافعية في ترتيب الأبواب وعناوين المواضيع الفقهية. مشيراً إلى ذلك في مقدمته بأنه أسهل للباحث للوقوف على المسائل والاستفادة منها.هذا وقد اعتنى المصنف بهذا الكتاب فذيله بذكر فوائد وتنبيهات مفيدة في بعض الأحكام وقضايا النسخ في آخر معظم المسائل، شارحاً بعض الكلمات الغربية والمفردات، مبيناً بعض الأماكن الواردة في ألفاظ الحديث، مصرحاً بذكر أسماء الأعلام ممن نقل مذاهبهم من الصحابة والتابعين والأئمة وغيرهم ممن لهم آراء واردة في قضايا الناسخ والمنسوخ، ومصرحاً ببعض أسماء الكتب المؤلفة، ومرجحاً في بعض الأحيان بين هذه المذاهب، مختاراً منها ما ظهر له أنه الصواب.هذا وقد جعل الباحث كتاب الجعبري هذا مدار دراسة تحقيق لنيل درجة العالمية العالية الدكتوراه. فكان عمله التالي: 1-مقابلة نصوص النسخة المخطوطة (الفريدة والوحيدة) على كتاب "الاعتبار" للحازمي، 2-تصحيح الأخطاء الواردة في ألفاظ الحديث بالعودة إلى مصادرها الأصلية، وكذلك الآيات القرآنية بالرجوع إلى المصحف للتأكد من كتابتها على مصطلح المصحف. 3-ترقيم الأحاديث والآثار. 4-تخريج الأحاديث النبوية من مصادرها الأصلية. 5-تحقيق نصوص الكتاب المستمدة من المصادر الأخرى والأصول التي اعتمدها المؤلف. 6-شرح بعض العبارات الغامضة والكلمات الغريبة واللغوية مع الإسهام بالتعليق على توضيح بعض العبارات والآراء الواردة في المسائل الفقهية والأصولية. 7-وضع مقدمة واسعة وشاملة لدراسة الكتاب والمؤلف دراسة واسعة. 8-ترجمة للأعلام ووضع فهارس.