كان شاعرنا أبا تمام مثالاً على ما تعرض له أعلام العربية من التشكيك الذي بدأ مع التشكيك في المكان الذي ينتمي إليه من حيث عروبته وعجمته، والمفارقة ما بين العربية والعجمية تحكي هذا الصراع الحضاري بين الحضارة العربية، ونظيرتها الأعجمية التي نازعت العربية في أعلامها ونابغيها، وكأنها أرادت سلب الحضارة العربية من أي تميز، لقد تعرض أبو ...
قراءة الكل
كان شاعرنا أبا تمام مثالاً على ما تعرض له أعلام العربية من التشكيك الذي بدأ مع التشكيك في المكان الذي ينتمي إليه من حيث عروبته وعجمته، والمفارقة ما بين العربية والعجمية تحكي هذا الصراع الحضاري بين الحضارة العربية، ونظيرتها الأعجمية التي نازعت العربية في أعلامها ونابغيها، وكأنها أرادت سلب الحضارة العربية من أي تميز، لقد تعرض أبو تمام لمثل هذا التشكيك في البلدة التي ينتمي إليها، كما تعرض للتشكيك في عربيته من عدمها، وفي إسلامه من عدمه، ووقفتنا المكانية هنا في الترجمة له تصور جانبًا من هذا التشكيك الذي قد يكون بحسن نية، وقد يكون بعدمه. ينتمي أبو تمام حبيب بن أوس الطائي إلى قرية جاسم، وهي "موضع بالشام من عمل الجولان يقرب من بُصرى" وقد رجع بها ياقوت الحموي إلى الأصل اللغوي حيث مادة جسم، ومنه تجسّم الأمر أيْ ركب معظمه، وقال ياقوت الحموي [ت 626هـ]: "هو اسم قرية بينها وبين دمشق ثمانية فراسخ على يمين الطريق الأعظم إلى طبرية، انتقل إليها جاسم بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام أيام تبلبلت الألسن ببابل، فسميتْ به" وإليها يُنسب أبو تمام، وكذلك عدي بن الرقاع العاملي الطائي. وفي سياق ترجمته لأبي تمام يقول أبو الفرج الأصفهاني [ت 356هـ]: إنه "من نفس طيء صليبة ومولده ومنشؤه مَنْبِج بقرية منها يُقال لها جاسم" وتشير كلمة صليبة إلى انتمائه إلى قبيلة طيء العربية وكونه من أهلها الأصليين، ومن ثمة فهو عربي، رغم أن كثيرًا ممن ترجموا له قد ذكروا في ثنايا تراجمهم أصله الأعجمي، وأن أباه كان نصرانيًّا واسمه تدوس.