"كنت قد أمضيت عشر سنوات في جمهورية غريبة الأطوار. في أحد الأيام فتحت عيني فأبصرت نفسي، وجهاً قبيحاً، وضحكة زائفة، وروحاً واهنة، وكأن يداً تقبض على صدري وتلويه. كنت أحمل حياتي كما يحمل المرء حقيبته. يومها عرفت أنه لا بد من الهرب. سلكت طرقات واسعة، وعبر بحاراً وأنهاراً... ولكني رغم ذلك، لم أتخل عن إيقاع هروبي، كنت أريد أن أهرب من ...
قراءة الكل
"كنت قد أمضيت عشر سنوات في جمهورية غريبة الأطوار. في أحد الأيام فتحت عيني فأبصرت نفسي، وجهاً قبيحاً، وضحكة زائفة، وروحاً واهنة، وكأن يداً تقبض على صدري وتلويه. كنت أحمل حياتي كما يحمل المرء حقيبته. يومها عرفت أنه لا بد من الهرب. سلكت طرقات واسعة، وعبر بحاراً وأنهاراً... ولكني رغم ذلك، لم أتخل عن إيقاع هروبي، كنت أريد أن أهرب من بلد ينطفئ فيه الناس من فرط الخنوع. وها أنذا بينكم، بعد ليلتي الطويلة، وبعدما عدت إلى نفسي وأسأل كل واحد منكم: هل رأيتم رجلاً؟.. في الجمهورية التي جئت منها، يتراجع الرجال مذعورين عندما يحاول أحدهم التوجه إليه متودداً تماماً كما تفعل الحيوانات "الشاردة" (المهملة) منذ فترة طويلة. أليس في هذا ما يذهل؟ في الجمهورية التي جئت منها، نبدو نهمين لمناسبات متنوعة لإحياء الذكرى، وتأتي في المرتبة الأولى منها تلك الموروثة عن البرابرة، والتي تكمن في الاحتفال بالمجازر الكبرى التي دخلت التاريخ بالطبل والزمر، بالخطابات والمسيرات، وبوقع تهتز له النفوس.. أكنتم تعرفون؟ إن الاحترام في الجمهورية التي جئت منها، لا يعود للقدسين، أو للأبطال، ولا لكبار قطاع الطرق، إنما يعود للأغنياء، للحلوين التافهين، للحمقى وللتجار. إن التجار هناك، وعلى عكس ما يجري في أي مكان آخر، لا يحكم عليهم بالموت.. وقد يحصل أن يصل هؤلاء إلى أرفع المناصب. وعندما يصلون إلى القمة يفتشون، فيسعون لمحو آثار الصفقات التي تلوث ماضيهم، ثم، وبقالب من الوقار يثرثرون بإسهاب في كل المواضيع معطين الحق لأنفسهم في كل شيء... يعرضون للبيع، الماء، السماء، الحب بلا ألم، رغبات التنفيذ الفوري، السعادة الكبرى الاقتصادية. للبيع، الثورة، احتفظ على زر موافق. للبيع جلدنا، بسعر مناسب جداً. للبيع قطيع من الأطفال المحسّنين وراثياً. للبيع من الخوف رفع إلى مرتبة العقيدة. للبيع في عرض خاص تشجيعي مخزون من المواد المشعة، بطاقات ممغنطة تعلق على رسغ الأشرار، مواقف سيارات تحت الأرض مزودة بكاميرات ولاقطات أصوات.. الحماقة المتعنتة مقدمة على شاشات وحواسب تحمل الأمل الإنساني.. للبيع أقدارنا بالجملة، هذا أقل تكلفة، وبضائع أخرى سخيفة تدرّ أرباحاً طائلة".ضمن مقاربات أدبية شبه روائية تقدم ليدي سلفير احتجاجاتها ونقدياتها لمجتمع متحضر السمات، إلا أنه وفي غمرة تحضره انتزع مبادئ وأخلاقيات وانتزع قبلاً روحه مقابل ماديات، أودت بإنسانيته إلى الحضيض. استرسالات لطيفة، هادفة تجذب القارئ وتضعه في عمق آلامه ومحنه. وقد صممت ليدي سلفير نصها الأول ليقدم في قراءة عامة، بالتعاون مع موسيقيين، عازف غيتار، هما سيرج تيسوجي ومارك سينس. وقد ألف الموسيقيان مقطوعة موسيقية خصيصاً لهذه المناسبة. وقدمت القراءة للمرة الأولى على شكل قراءة كونسير تم نقلها على إذاعة فرنسا الثقافية منذ ذلك التاريخ، سكن النص عقول هؤلاء الفنانين الثلاثة في حزيران 2002م وقرروا إعادة تقديم نص (ضد) على الخشبة (وكان المكان خشبة مسرح سان توان) المعروف باسم (الأيدي العاملة).وهذا الكتاب يحتوي في غلافه على أسطوانة مضغوطة (C.D) ليست هي للعرض بحيث يتمكّن القارئ من تصور البعد المشهدي والصوتي لهذه المغامرة الجماعية.