الأستاذ الدكتور/ زياد الزعبيتفتتح أسماء الملاح مجموعتها القصصية الثالثة "الرمل الحار" بمقولة تشيخوف "أفضل الكتّاب هو الكاتب الواقعي الذي يكتب عن الحياة كما هي ولكن لأن الإحساس بالهدف يسري كالعصارة الخفيفة في كل سطر فيما يكتب فإنك لا تشعر بالحياة كما هي فحسب بل وكذلك كما ينبغي أن تكون ... فيسحرك ذلك". وهذه المقولة – الافتتاح تؤش...
قراءة الكل
الأستاذ الدكتور/ زياد الزعبيتفتتح أسماء الملاح مجموعتها القصصية الثالثة "الرمل الحار" بمقولة تشيخوف "أفضل الكتّاب هو الكاتب الواقعي الذي يكتب عن الحياة كما هي ولكن لأن الإحساس بالهدف يسري كالعصارة الخفيفة في كل سطر فيما يكتب فإنك لا تشعر بالحياة كما هي فحسب بل وكذلك كما ينبغي أن تكون ... فيسحرك ذلك". وهذه المقولة – الافتتاح تؤشر على وعي القاصة بعملها وعلى طبيعة النصوص التي تضمها هذه المجموعة، فهي تتبنى تصورا فكرياً نظرياً للفن، وتعمل على تحقيقه عملياً في نصوصها. وقارئ النصوص السبعة والعشرين التي تضمها المجموعة يعايش صوراً ومشاهد وشخصياتٍ وأحداثاً تلتقطها القاصة من الواقع وتعيد بناءها في قصص فنية جذابة في لغتها التي تقترب في مواطن عديدة من لغة الشعر وبما تحمله من أفكار ومواقف تنهض على حالات من المفارقة والخيبة والقلق الإنساني المنبثق من تفاصيل الحياة اليومية، وأطر الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي.ففي القصص إحالات واضحة على قضايا وأحداث سياسية ومعاينة لحالات اجتماعية واقتصادية، لكنها إحالات لا تتحول إلى خطاب تقريري بل تتشكل من خلال التكوين الفني للنصوص، كما هي الحال في قصص: الحذاء مرة أخرى، والرمل الحار، والقانون في مكان آخر. ومما يلفت الانتباه في قصص أسماء الملاح حضور المرأة على نحو محوري معبر عن كثير من المواقف المتعلقة المرأة وهواجسها وتأملاتها ومخاوفها، ويمكن للقارئ أن يلحظ أن عدداً غير قليل من القصص تفتتح بصيغ لغوية أنثوية : أي جدب يصيب حياتها، كيف تخرج من جنة...، مرارا تحايلت عليه...، وقد لحظت أن هذه الظاهرة موجودة في مجموعتي أسماء السابقتين : "ذلك المكن " و" المذنب " مما يبين عن نسق في الكتابة قد يتعمق ليشكل ظاهرة فنية تستحق القراءة من حيث البنية والموضوع. وثمة أمر تنبغي الإشارة إليه في قصص أسماء الملاح وهو الكتابة المكثفة الموحية ذات الطوابع الشعرية، مما يبعدها عن الإغراق في الإنشاء، ويمنحها سمة الإيحاء التي تنبثق من المواقف الطريفة، والحالات القابلة للاستنطاق. هذه مجموعة قصصية تنبئ عن موهبة قصصية تمتلك صاحبتها أدوات وقدرات تتيح لها أن ترسخ حضورها في الكتابة القصصية الفنية الجميلة، وأن تعمق تجربتها بالمعرفة التي تسند موهبتها وحسها المرهف وقدرتها اللغوية ووعيها المتأمل، وهذا ما نلمسه في نصوص هذه المجموعة المعبرة عن قاصة جادة تسير بثبات في طريق الإبداع الجميل الذي يثري الوجود ويعمق الإحساس به.