كمال بو شامة المنطلق من حزب التحرير الجزائري والمستمر فيه هو من النوع الذي أعطى السياسة ولم يأخذ منها، والذي كان فوق الانتهازية والوصولية، وهو لو سلك طريق التملق أو المسايرة، وهما نقطتان ركز عليهما كثيراً في سياق سرده للأسباب التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه، لكان استمر في أعلى المناصب جامعاً ثروة ومتاجراً بالثروة الجزائرية. إنه...
قراءة الكل
كمال بو شامة المنطلق من حزب التحرير الجزائري والمستمر فيه هو من النوع الذي أعطى السياسة ولم يأخذ منها، والذي كان فوق الانتهازية والوصولية، وهو لو سلك طريق التملق أو المسايرة، وهما نقطتان ركز عليهما كثيراً في سياق سرده للأسباب التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه، لكان استمر في أعلى المناصب جامعاً ثروة ومتاجراً بالثروة الجزائرية. إنه من نوعية قليلة من الشباب الذين انخرطوا في العمل الحزبي والذين ابتعدوا عن مديح المسؤول، وتمرسوا في قول "اللا" عندما يجب قولها وفي المعارضة عندما تجب المعارضة وفي الدفاع عن القرارات والخيارات عندما يراها صائبة وهذا ما أكسبه شعبية في أوساط الرأي العام الجزائري بفئاته المختلفة وخصوصاً الشباب وما أكسبه صدقية شكلت له قوة ومناعة في وجه كل الضغوطات والحملات والإغراءات في آن معاً.والعمل الذي بين أيدينا يأتي ثمرة ملاحظة موضوعية للكاتب الجزائري المناضل كما بو شامة نشأت طوال حقبة من المشاركة الناشطة له في كل المهمات الهامة وطنياً، سواء إلى جانب مناضلي القاعدة أو كبار القادة الذي تشرف بكونه واحداً منهم في خدمة الجزائر، وتعلم معهم أشياء كثيرة. وتستقر في ذاكرته أسماء لامعة لكثيرين من الوطنيين الذين صنعوا حاضر الجزائر. بعضهم رحل إلى الأبد تاركاً فراغاً كبيراً لدى الكاتب، ولم تبق سوى ذكراهم الحية في النفس تذكر بالواقع كل مرة وتشجع على متابعة الهدف الملح الذي تعاهد وإياهم عليه لبلوغه.وفي هذا العمل يتعرض الكاتب إلى المعنى الذي كانوا سيعطونه لو كانوا أحياء، لتلك المنافسة الدائمة بين الجبهة والدولة، أي بين الحزب والسلطة، والتي استمرت منذ الاستقلال وحتى حلول عهد التعددية السياسية. وقد كانوا سيشرحون بمزيد من التفاصيل، وبالطبع مع المزيد من القناعة، كل المراحل التي كانت غالباً مرضية والتي مرت بها هذه المنافسة طوال المسيرة الطويلة التي مشتها الجزائر. وسيفهم القارئ من تلقاء نفسه هذه المقاربة التي يقدم الكاتب من خلالها الكثير من التدقيق غالباً ما يكرر فيها نفسه، بهدف التأكيد على هذا الشكل من الاستقطاب الثنائي الذي تجلى في الوقائع وكان في أساس نشوء أوضاع عدائية لا يمكن تصورها في دولة ذات حزب واحد. لقد اعتبر كمال بو شامة أن من واجبه توضيح أشياء كثيرة حول عمل الحزب لتبرئة ساحته، لأن الجزائر اليوم تعيش في أزمة، وبعضهم يبحث عن كبش الفداء، وهم لن يجدوه بالطبع إلا في صفوف جبهة التحرير هذه التي طالما احتقروها ورموا كادراتها ومناضليها بالعجز والانتهازية. من أجل ذلك ومن أجل التاريخ جاء هذا الكتاب.