الكتاب من ترجمة مفيد عبدوني.تبين الدراسات التي أجريت على عملية اتخاذ القرار أن رجال الدولة الذين شكلوا صورة ما لبلد آخر، قادرون على الإبقاء على تلك الصورة في مواجهة زخم كبير من المعلومات التي يجب تغييرها. ويميل صناع السياسة والعاملون تحت قيادتهم إلى تجاهل المعلومات التي يجب تغييرها، وهذا ينطبق عينياً على صورة الآخر في سياسة الول...
قراءة الكل
الكتاب من ترجمة مفيد عبدوني.تبين الدراسات التي أجريت على عملية اتخاذ القرار أن رجال الدولة الذين شكلوا صورة ما لبلد آخر، قادرون على الإبقاء على تلك الصورة في مواجهة زخم كبير من المعلومات التي يجب تغييرها. ويميل صناع السياسة والعاملون تحت قيادتهم إلى تجاهل المعلومات التي يجب تغييرها، وهذا ينطبق عينياً على صورة الآخر في سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط عموماً والقضية الفلسطينية بصورة خاصة. حيث تشكل هذه القضية محورها.من هذا المنطلق لم يكن متوقعاً ممن هم خبراء في حكومة الولايات المتحدة، أو حتى أولئك المعتمدين على خبراء في الشرق الأوسط. لم يكن متوقعاً من هؤلاء الذين يملكون صنع السياسة الأميركية أن يضعوا جدياً السياسة العربية في مسار سليم، أو أن يقرؤوا التاريخ على نحو كافٍ أو ألا يعتمدوا على انطباع وفهم عام سريع الزوال. وفي النهاية، ونتيجة لذلك فإن ما ينطبع في أذهانهم حول القضية الفلسطينية هو رؤية خاطئة، وهذا بدوره يشمل الانطباع المتولد لدى الشعب الأميركي بصورة عامة، وذلك لأن صنّاع السياسة هم أعضاء عامة الشعب الذين نموا وترعرعوا وتميّزوا بالانطباع والفهم ذاته الذي تعلم الشعب عليه. وكما ذكر أحد المهتمين في عملية صنع السلام، لأن الناس يميلون لاستيعاب القيم والمعتقدات التي تسود المجتمع عندما يبدؤون في التفكير بالسياسات، فليس من السهولة لأي إطار عمل قد تشكل أصالة أن يتم تبديله، إنما بدلاً من ذلك "بناء تفسير لأحداث تالية بالاستناد إلى فهم موروث".وهكذا، وبالاستناد إلى ما سلف يعتقد أحد صناع السياسة الأميركية البارزين في أواخر القرن العشرين، ممن لم يتقلدوا منصباً، أن الرأي العام الأميركي ينظر إلى القضايا الإسرائيلية الفلسطينية، وهو جاهل أساساً بمشاعر وأوضاع الفلسطينيين، لا شعوراً على الأقل، أن الفلسطينيين شعب مختلف محب للقتال، وهم أناس يستحقون الشفقة، وأنهم عموماً أناس مختلفون عن الأميركيين، بينما يرون الإسرائيليين أناساً مقدامين مغامرين ومتقدمين، خاضعين لحصار عربي، وهم "مثل الأميركيين" وبمعنى حقيقي، وحتى التسعينات، كان هناك أحد صناع السياسة البارزين، ممن لم يستبعدوا الفلسطينيين تلقائياً من اعتبارات سياسية، لأن الإسرائيليين قد أسسوا بسهولة أمة ذات سيادة، بينما الفلسطينيون لم يفعلوا ذلك.وهكذا فإن تلك الانطباعات كانت تتجه نحو الاستمرار، وتظل شائعة على مرّ عهود الإدارات الأميركية وحتى على صعيد الشعب الأميركي، هذا كله، ناشئ، وكما أسلفنا عن تلك الضغوط المنصبة على صناع السياسة الأميركية، وهذا ما جعلهم يرتدون إلى تحليلات سهلة وتفسيرات هينة، مبنية على معلومات متوارثة خاطئة، وهذا بالتالي ولّد انطباعاً سطحياً هو سائد بين الشعب الأميركي والكونغرس وفي وسائل الإعلام.ضمن هذه المناخات تتحرك المعالجة في هذا الكتاب الذي يتناول باستفاضة وصفاً للتأثير الذي يتركه ما يسمى بإطار المرجعية في صنع السياسة تجاه القضية الفلسطينية في كل إدارة أميركية منذ ودرو ولسن، والتي تزامنت مع إصدار إعلان وعد بلفور البريطاني في عام 1917م الذي تَعِدُ فيه بريطانيا بتأييد قيام دولة يهودية في فلسطين.هذا وقد عملت الباحثة كاثلين كرستسن من خلاله على تحليل النقاط التالية: 1-مكانة المعرفة عند كل رئيس، وعند صناع السياسة الكبار في كل إدارة، وكذلك انشغال صناع السياسة هؤلاء في تطلعهم إلى أن تسند لهم وظيفة، كما توضح ذلك كتاباتهم، إن كانت هنالك كتابات، أو من كتابات أولئك الأفراد الذين تركوا تأثيراً في أفكارهم، أو ما يمكن استنتاجه من معلومة أو معرفة من خلال ما يسمى بأسلوبهم، أو من خلال ميولهم الدينية مثلاً، أو استجابتهم للضغوط من مجموعات ذات مصالح خاصة، أو من خلال وجهات نظرهم السياسية العامة. 2-وضعية معرفتهم العامة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني في الولايات المتحدة، والفهم العام السائد لدى الشعب في كل فترة، والذي تقرره الصور والانطباعات التي تنقلها وسائل الإعلام، أو الأدب الشعبي، أو أفلام السينما، أو من الشعب، مثل التجمعات الخاصة والشخصيات. 3-الطرق والأساليب التي تخضع فيها سياسات كل إدارة لتأثير الأعراف المعمول بها في هذا الشأن أو تلك القضية. وهنا تلاحظ الباحثة بأن هنالك تطور بطيء إلى درجة كبيرة؛ إلا أنه وذلك تجاه الفلسطينيين منذ عام 1917م، حيث كان هنالك تطور محدد في إطار المرجعية السائد، وكلا هاتين الظاهرتين تمت للباحثة مناقشتهما والتطرق إليها لأنهما ترتبطان ببعضهما.وأما ما تهدف إليه كاثلين كرستسن في كتابها هذا فهو تبيان تطور جملة من المفاهيم وكيف تتحول إلى إطار محكم من التفكير، إلى درجة يتأثر بها الخطاب الجماهيري، وصناعة سياسة الولايات المتحدة على نحو كبير.