يندرج مبحث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضمن التقاطع القائم بين الفكر الإسلامي من جهة، ودراسته من جهة أخرى، ذلك أن هذا الفكر هو ما تعبّد عنه النصوص التأسيسية (القرآن الكريم، نصوص الحديث).في حين أن دراسة الفكر الإسلامي هو مجموعة الأفكار والتصورات والقواعد التي نتجت عن هذا الفكر في سيرورته التاريخية وقد تعاقبت على صياغتها أجيال ...
قراءة الكل
يندرج مبحث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضمن التقاطع القائم بين الفكر الإسلامي من جهة، ودراسته من جهة أخرى، ذلك أن هذا الفكر هو ما تعبّد عنه النصوص التأسيسية (القرآن الكريم، نصوص الحديث).في حين أن دراسة الفكر الإسلامي هو مجموعة الأفكار والتصورات والقواعد التي نتجت عن هذا الفكر في سيرورته التاريخية وقد تعاقبت على صياغتها أجيال من المسلمين متأثرة بخصائصها الذهنية وآفاقها المعرفية وبيئاتها المختلفة.وهذا التصور إن صح على سائر القضايا الكلامية المعروفة وبيائتها المختلفة، وهذا التصور إن صح على سائر القضايا الكلامية المعروفة بالمقالات كالتوحيد والعدل والنبوة وأضرابها، فإنه يصح كذلك على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لإندراجه أكثر من غيره في حياة المجموعة ولإرتباطه بالنواحي الدينية والسياسية والإجتماعية معاً؛ فضلاً عن غلبة الصيغة العلميّة فيه وتفاوت المسلمين في تمثله.وإلى هذا، فإن الفصل المنهجي بين أصول الفكر الإسلامي ممثلة في نصوصه التأسيسية من جهة، والإنتاج المتعلق بها من جهة اخرى من شأنه أن يبصّر بحقيقة كثير من القضايا التي جاء النصّ القرآني موضحاً لها أو داعياً إليها أو منكراً لها ومصححاً، إما في إتجاه التشريع لها، وإما في إتجاه الحثّ عليها والترغيب فيها، ولكن لا يفوت دارس هذه القضايا أن ينتبه إلى أن هذه المسائل حين يُنظر إليها في سياقها التاريخي يجدها قد ابتعدت أشواطاً عن مقاصد النص القرآني ورسالة الإسلام التي من أجلها جاء، وذلك بفعل تراكم طبقات من الفهم والتأويل تتسع دائرتها كمّاً وكيفاً كلما جرى التأخر في الزمن، فتبتعد بالمقابل عن روح التشريع فيها.وهذا الأمر قد جرى على كثير من العلوم والأنشطة الفكرية الإسلامية كالسيرة النبوية والمغازي، والحديث وعلوم القرآن الكريم؛ إن هذه المراوحة الدؤوبة والمستمرة بين النص المؤسس أو الحدث المؤسس والإستخدامات الثيولوجية والإيديولوجية العديد التي تنتجها أجيال في الثقافات والمجتمعات البشرية تنغرس في نسيج التاريخ وتنسج خيوطاً لتاريخ جديد خاص بهذه النصوص الثانوية بالذات.وتجد هذه المراوحة ترجمة لها في ما يتعلق عامة بالتوتر الدائم بين المبادئ النظرية، وتترجم عنها الفروض العامة في النص القرآني - والتطبيقات العملية، ويعبّر عنها بأشكال الممارسة التاريخية وطرق التمثل.من هنا، تأتي هذه الدراسة في مبحث من مباحث النص القرآني يترجم عن أوجه الإستخدامين الثقافي والتاريخي لروح الشريعة ومقاصدها هو: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قديماً، الذي يدلل الباحث من خلالها على أبعاد هذا المبحث الدينية والسياسية والإجتماعية؛ محدّداً إطار البحث الزمني بنهاية القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي تقريباً، لأن أغلب المصادر التي تناولت الموضوع تنتهي بنهاية الحقبة الكلاسيكية؛ عدا بعض المؤلفات اللاحقة، وهي لا تقدم إضافة في الغرض، والمؤلفات المقصودة بهذا هي مؤلفات القرن التاسع الهجري، القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين وما بعدها، وصولاً إلى العصور الحديثة، حيث تأخذ هذه التأليف منحىً آخر.على أن مدار هذا البحث ليس منحصراً في النص القرآني بإعتباره بنية منقلقة، وإنما هو ممتد إلى علوم دينية نشأت بإزاء هذا النص وبسبب منه وكان لها وافر الحظ من توظيف مادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في سياقات جديدة يقتضيها من جهة منطق التحولات التاريخية الكبرى في صدر الإسلام، ويستدعيها من جهة أخرى منطق التحولات التاريخية الكبرى في صدر الإسلام.