يعتبر كتاب العهد القديم تراثًا لليهود وما تابعهم من طوائف؛ حيث يمثل هذا التراث في أقسامه الثلاثة (التوراة - الأنبياء - المكتوبات)، فكان بمثابة تأريخ للحركات الدينية والعلاقات الاجتماعية بين أفراد الطائفة اليهودية، وما كان من أحداث بين اليهود وغيرهم من الشعوب، هذا إلى جانب كونه حافظًا للأنساب البشرية عند بني إسرائيل وغيرهم ممن ات...
قراءة الكل
يعتبر كتاب العهد القديم تراثًا لليهود وما تابعهم من طوائف؛ حيث يمثل هذا التراث في أقسامه الثلاثة (التوراة - الأنبياء - المكتوبات)، فكان بمثابة تأريخ للحركات الدينية والعلاقات الاجتماعية بين أفراد الطائفة اليهودية، وما كان من أحداث بين اليهود وغيرهم من الشعوب، هذا إلى جانب كونه حافظًا للأنساب البشرية عند بني إسرائيل وغيرهم ممن اتبعوهم، وإلى جانب ذلك كان من الطبيعي أن يقدم العهد القديم بين أقسامه نماذج من النساء، تباينت تلك النماذج وتغايرت تبعًا للسلوك والصفات المذكورة بين ثنايا قصصه، وامتدت هذه النماذج النسائية في حياة اليهود حتى العصر الذهبي في الأندلس، خاصة بعد انصهار هذا التراث تحت مظلة الثقافة الإسلامية. ولا يخفى على أحد دورُ المرأة في مشاركة الرجل صناعة الحدث التاريخي داخل قصص العهد القديم وبين صفحات أسفاره. فلقد ذكرت كلمة (חוה) = حواء للدلالة على أول امرأة في تاريخ البشرية مرتين، وجاءت كلمة (אישה) = امرأة 24 مرة، وكلمة (רעיה) = زوجة مرة واحدة، ثم كلمة (גברת) بمعنى سيدة تكررت مرتين، ولم يخلُ العهد القديم من أسماءٍ لشخصيات نسائية متعددة. إلا أنه يبدو أن المرأة لها دور محوري في بعض الأحيان, فنجد في بعض أسفار العهد القديم أنه قد يرد ذِكر المرأة للدلالة على القيادة الروحية؛ لِما اتصفت به تلك المرأة من الحكمة؛ كما في قصة (دبورا في سِفر القضاة) التي تكرر اسمها 6 مرات؛ حيث تناول السِّفر قصتها مؤكدًا على كونها قائدة لطائفة بني إسرائيل بعد (إهود - شمجر)، فأمسكت بمقاليد الحكم الديني والدنيوي، عندما نصحت القائد العسكري لبني إسرائيل بالحرب على عدوه (سيسرا = الزعيم الكنعاني) كان لها الأثر الأكبر في انتصار بني إسرائيل على عدوهم. أضف إلى ذلك ما هو مذكور في التراث من مناصرة (أستير) للشعب اليهودي في عصر (إحشويروش)؛ نظرًا لحكمتها في تخليص طائفتها من قيد السبي، والنجاة من التدمير على يد الوزير هامان، كذلك لم يغفل التراث اليهودي عن وجود عنصر أنثوي في كل عصر، ساعد هذا العنصر المجتمعَ اليهودي بشكل أو بآخر في مواقف بعينها؛ فعند الخروج من مصر كان للمرأة دور مؤثر، وكذلك بعد الخروج من مصر، وما ذُكر من رفض نساء بني إسرائيل لعبادة العجل في سيناء على يد مريم النبية. وبالرغم مما سبق من أدوار تصف دور المرأة، فإنه لم يخلُ العهد القديم أيضًا من صور تناقض تقدير المرأة؛ فقلَّلت بعض الأسفار من شأنها في معظم الأحيان، بل واتخذها العهد القديم سببًا في العذاب، وكمثال للإقلال، نجد أن كاتب سِفر الأمثال عبَّر وصوَّر الحماقة على أنها امرأة، وكذلك قبْله سِفر التكوين الذي وصفها بكونها سببًا للعذاب منذ بدء الخليقة؛ كما جاء في قصة حواء، فلم يبرِّئها العهد القديم من خطيئة آدم الأولى، التي كانت سببًا في معاناتهما معًا. ومع معايشة اليهود لغيرهم من الشعوب لم يكن العهد القديم ببعيد عن الثقافات الأخرى؛ فلقد أثر في بعضها، وتأثر بالبعض الآخر، إلا أنه لم يستطع أحد من اليهود أن يخالف التراث التوراتي أو ينقده، إلا في العصر الوسيط تحت الحكم الإسلامي، ذلك العصر الذي كان لزامًا علينا التطلع إلى دور المرأة فيه، خاصة بعد الفتح الإسلامي للبلدان التي انزوى فيها اليهود بعيدًا في منفاهم كما وصفوا قبل دخول الإسلام إليهم، فأمنهم المسلمون على أنفسهم، وفتحت الثقافة الإسلامية ذراعيها لرجالهم ونسائهم على السواء، ولذا اهتم علماء تلك الفترة بالمرأة وبالتوصية بها خيرًا، عملاً بالمبادئ الإسلامية التي أرستها شريعة الإسلام في المجتمعات التي وفدت إليها، والتي غيرت من ثقافة اليهود تجاه المرأة، مما جعل علماءهم يأمرون مجتمعاتهم بالتواصي خيرًا بالمرأة، على عكس ما كان معروفًا في كتبهم، ومن ذلك قول موسى بن ميمون: (إن عزتكم من احترامكم لزوجاتكم). ولم يكن غريبًا أن تتناول أقلام الشعراء في الأندلس صورة المرأة؛ فلقد قام الناجيد بتقديم صورة للمرأة في كتاباته، صوَّرت المرأة من وجهة نظر اليهود في الأندلس، التي تأرجحت ما بين التبجيل قليلاً، والإقلال كثيرًا، فلقد تأثر الناجيد بحكمة المرأة في الإسلام فأجَلَّها، ثم عاد إلى تراثه اليهودي من العهد القديم فأقلَّ من شأنها. ونرى أن التراث اليهودي قد أثر في التراث الإنساني سلبًا، ونستطيع القول بأنه ربما يكون قد أثر في الشعوب والمجتمعات المختلفة، فكان له التأثير السيئ في الفكر الإنساني، ولا عجب أن انتقلت فكرة خطيئة حواء من العهد القديم إلى تراث معظم الثقافات في العالم، حتى داخل التراث الإسلامي للمدن التي اعتنقت الإسلام، فتأثر هذا التراث الإسلامي بالمدسوس من القول، إلا أن المتقلب بين الآيات القرآنية والأحاديث النبوية يجد مناصرة للمرأة دون إفراط ولا تفريط في حقوقها الاجتماعية. منهج البحث والهدف المرجو:سيتبع الباحث المنهج الوصفي؛ حيث يقدم هذا البحث دراسة وصفية للنصوص والكتابات المقرائية[1]، واتخاذ قصة دبورا نموذجًا، إلى جانب الكتابات اليهودية في الأندلس تحت حكم الإسلام، متخذًا بعضًا من إنتاج الناجيد كوصف لليهود بعد الإسلام.... وما أهدف إليه من دراستي هو تقديم رؤى مختلفة ما بين الارتقاء بالمرأة في العهد القديم متمثلاً في قصة (دبورا)، مع إبراز التدنِّي بها أيضًا في بعض أسفار العهد القديم، الذي يصل إلى درجة الظلم والتعنت في قصص توراتية مختلفة، ومن ثم كان من الواجب تقديم الرؤية الأدبية للناجيد تجاه المرأة، تلك الرؤية التي تأثرت بالثقافة الإسلامية تارة، ومالت إلى التعنت الموروث عند اليهود تارة أخرى