علم الأصول من أشرف العلوم الشرعية التي يتمكن الفقيه بواسطته من استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية. ولما كان الكتاب والسنة هما الدليلين الأساسيين، الذي يكون الاحتكام اليهما في جميع مظاهر حياة الإنسان المسلم وبها تجتلب المصالح وتدرأ المفاسد، لأنها وضعت أساسا ً لخدمة الناس وتنظيم حياتهم الأسرية والاجتماعية والإنسانية، على ...
قراءة الكل
علم الأصول من أشرف العلوم الشرعية التي يتمكن الفقيه بواسطته من استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية. ولما كان الكتاب والسنة هما الدليلين الأساسيين، الذي يكون الاحتكام اليهما في جميع مظاهر حياة الإنسان المسلم وبها تجتلب المصالح وتدرأ المفاسد، لأنها وضعت أساسا ً لخدمة الناس وتنظيم حياتهم الأسرية والاجتماعية والإنسانية، على منوال لم يسبق في امة من الأمم. فقد انبرى له علماء أجلاء بذلوا الغالي والنفيس من أجل وضع لبناته الأساسية، وتعريف مصطلحاته التي تحده وتميزه وتسهل على طالبيه الغوص في بحاره، وخوض غماره لاقتناص درره واغتنام فوائدة،لكي يتوصلوا بها إلى تحقيق الأحكام الشرعية واستنباط الفتاوى الفرعية التي تتحصل بها سعادة الدارين.وأول هولاء الأفذاذ الذين هم فوارس هذا الميدان وأبطاله على مر الزمان هو الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله، ذلك العالم الجليل الذي يندر أن تجد له في الأرض مثيل بسعة العلم وطول الباع في فقه الكتاب والسنة، الذي حير العقول بابتكاره منهج غير مسبوق لاصول الفقه حدد فيه معالمه ووضع له أسسه وأرسى قواعده. فأنه حرر للأمة كتابا جليل القدر عظيم النفع جم الفائدة وهو الموسوم (بالرسالة)، أعلى الله شأنه على هذه الخدمة الجليلة لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. وتـوالت من بعده العلماء يكتبون ويؤلفون وفق الأسس التي أرساها في كتابه.ومن أشهر من ألف في هذا الميدان الإمام أبو حامد الغزالي كتابا ً سماه (المستصفى من علم الأصول). وأبو المعالي الجويني كتابه (البرهان) وأبو الحسين البصري المعتزلي كتابه (المعتمد). واختصر الكتب الثلاثة أمامين جليلين هما الإمام فخر الدين الرازي في كتابه (المحصول) والإمام سيف الدين الامدي في كتابه (الإحكام في أصول الأحكام)، ويعد الكتابان من أروع ما صنف في أصول الفقه الإسلامي بشهادة الكثير من العلماء. لكن همم طلاب العلم تتقاصر وليس لديهم القدرة والاستطاعه على أن تكون بداية الطلب مع مثل هذين الكتابين. وكان أمام الحرمين عبد الملك بن يوسف أبو المعالى الجويني المتوفى سنة (478 هـ) قد ألف في هذا الميدان رسالة في أصول الفقة لطـيفة المبنى غزيرة المعنى، سماها الورقات لأنـه قال في أولها هـذه ورقات قليلة تشتمل على معرفة فصول من أصول الفقه، فذاع صيتها في الأفاق وتسابق عليها طلاب العلم حفظا وتعلمًا، لما لهذا العالم الجليل من طول باع في التأليف والتحرير ومكانة وشرف عند أقرانه من العلماء.وقد شرحها علماء كثيرون، ونظمها آخرون، وممن نظمها الشيخ شرف الدين يحيى بن الشيخ نور الدين موسى بن رمضان ابن عميرة الشهير بالعمريطي المتوفي سنة (890هـ) رحمه الله تعالى، وهو من فقهاء الشافعية من قرية عمريط في شرق القاهرة، وكان نظمه سلسا جميل العبارة مستعذبا وهذه الصفة الغالبة على جميع منظوماته، فقمت بعون الكريم المنان، ذو اللطف والإحسان بشرحها توضيحا لمعانيها وتسهيلا لفهمها من قبل طالبيها ودارسيها. سائلا المولى القدير إن ينفع بها نظما وشرحا خدمة لهذا العلم الشريف الذي حفظ به جناب فقه السنة الشريفة, ورفعت به راية منهاج الشريعة المنيفة، راجيا من وراء ذلك كله الدعاء بالمغفرة والرحمات بعد الممات والرحيل إلى دار الظلمات، إنه مجيب الدعوات. فله الحمد مادامت الأرض والسموات وما شاء جل جلاله.