هو ذا يأتي مفرودا، يخترق الأجساد كالسهم الخاطف، تبتلعه عينا امرأة تلو الأخري، لا رجاء ولا أمل في المحاولة غير الاستسلام لهذا السهم الخاطف".بهذه الجمل القليلة والموحية والمشوقة يستهل كاتبنا الروائي عصام حسين روايته المرسومة "الكيلو 21".وبهذه الجمل ـ أيضا ـ يصف بطله الوسيم "طه الدرديري" ذلك المقاول الذي يوقعه جماله في حب امرأة تلو...
قراءة الكل
هو ذا يأتي مفرودا، يخترق الأجساد كالسهم الخاطف، تبتلعه عينا امرأة تلو الأخري، لا رجاء ولا أمل في المحاولة غير الاستسلام لهذا السهم الخاطف".بهذه الجمل القليلة والموحية والمشوقة يستهل كاتبنا الروائي عصام حسين روايته المرسومة "الكيلو 21".وبهذه الجمل ـ أيضا ـ يصف بطله الوسيم "طه الدرديري" ذلك المقاول الذي يوقعه جماله في حب امرأة تلو الأخري، وهو لايملك غير المقاومة المنطلقة من جذوره (صعيد مصر)، ومن التصاقه الحميم بمجتمعه بما فيه وما له وما عليه، ويري ضرورة تفعيل دورة فينضم الي جماعة إسلامية يري فيها الامل للخلاص من تردي احوال الوطن رغم عدم قناعته التامة بهذه الجماعة لكنه كان يري في الشيخ "فرج شلبي" مرشدا يستدعي كلماته، ويستلهم افكاره وقت الشدة (لا تخف سيمنحك الله البركة وجناحين تطير بهما فلا يراك احد).وبالفعل "تسلق بعض الأحجار أسفل الجبل والشمس تلسع وجهه، سار حتي نهاية ممر ضيق ثم استدار من خلف الجبل ليرتمي في أحضان الزراعات كان هذا بمنزلة فرار ناجح من قوات الأمن التي أرادت نزع سلاحه الآلي وأسلحة المطاريد.ويعيش "طه الدرديري" محاصرا برغبة شبقية تجاه النساء بدءا من "ندي البحيري" (تلك المرأة الثرية التي نفذ لفيلتها عملية التجديد الرائعة) مرورا بـ"جمالات" الزوجة الأولي للمعلم حيدر تاجر الأسماك والذي كان يعمل "طه" عنده، وانتهاء بالمرأة الأمريكية التي بهرها طه بجماله الأخاذ.لكن "طه" مع ندي البحيري" لم يقع في الخطيئة، ومع "جمالات" لايخون، لكن الأمريكية "سوزان" نجحت في الإيقاع به لتنتهي مهمتها ومهمته.وخلال الرواية يتعدد انتقال البطل من مكان الي آخر بمبرر قوي وضرورة ملحة يسوقهما الكاتب، فبعد أن أبي إشباع جوع "جمالات" الشبقي ترك المكان رصيف السكة الحديد يمتد أمامه بلا نهاية، والسماء المعتمة من فوقه مازالت عنيدة وقاسية وبعيدة، تدحرج وامتطي القارب الصغير وعبر النهر الغربي، تحسس حقيبته واطمأن علي السلاح. أي قطار سيقله للقاهرة؟وبملاحظة الفقرة السابقة نجد تألق الكاتب في رصد أعماق البطل من خلال رصد خارجي فالرصيف بلا نهاية، والسماء معتمة وعنيدة وقاسية وبعيدة، مما يضع القارئ في مدارات اغوار البطل ليدور في فلكها كاشفا حقائقها.ولعل في تنقل البطل بين الأمكنة المختلفة دلالة ثرية يقصد الكاتب من ورائها إلتصاق بطله بتباينات مجتمعه بعاداته وتقاليده، وانجازاته واخفاقاته، لكن نهاية الرواية تأتي علي غير المنتظر لتصدم المتلقي صدمة فنية تطرح تساؤلات عدة فقد أوقعت المرأة الأمريكية بالبطل في مشهد تراجيدي لايخلو من خديعة تدعونا إلي الرفض والإدانة. (استرسلت في الحكايات عن نفسها. أرملة تبدو في أواخر العقد الثالث. تقيم بمصر وتعمل بمؤسسة لتدريس اللغة الإنجليزية وبرامج الكمبيوتر، كانت في رحلة سياحية إلي الأقصر وتعد العدة للاستقرار نهائيا بمصر، رأي في جواز سفرها مرفأ الأمان له ولسلاحه"وتقول له بكلمات تكشف عن عمق فهمها له، وكيفية استمالته "المهم المعني، المهم الاحساس، أنا ارتحت لك بوجداني، لم يكن لوضعك الجنسي أو الاجتماعي دخل في ذلك، وكذلك لم يكن لهيئتك دخل في ذلك، روحك هامت بروحي، ووجدانك تلاحم مع وجداني، هذا ماكنت أتمناه".إن القارئ لا يمكن له ان يقف امام هذه الكلمات ونهاية الرواية دون أن يري في "طه الدرديري" رمزا يحتوي وطنا بأكمله سعي الآخرون ـ في فترة تاريخية بعينها ـ الي الايقاع به بسبب ضعف شخصية القائد/ البطل التي ذاقت معسول الكلمات فلبت رغبة الآخر في الهيمنة والاحتواء.