الطائفية لا تعني الإنتماء المجرد إلى الطائفية، وإلا أصبح كل كائن بشري طائفياً بحكم ميله إلى طائفة أو تجمع بشري، ولا تعني الطائفية حق الإنسان في الدفاع عن جماعته البشرية، ضد ما يصببها من أضرار، والعمل على تأمين حياة كريمة للطائفة، دون المساس بحقوق الطوائف الأخرى.سئل الرسول صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله أمن العصبية أن يحب الرج...
قراءة الكل
الطائفية لا تعني الإنتماء المجرد إلى الطائفية، وإلا أصبح كل كائن بشري طائفياً بحكم ميله إلى طائفة أو تجمع بشري، ولا تعني الطائفية حق الإنسان في الدفاع عن جماعته البشرية، ضد ما يصببها من أضرار، والعمل على تأمين حياة كريمة للطائفة، دون المساس بحقوق الطوائف الأخرى.سئل الرسول صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله أمن العصبية أن يحب الرجل قومه؟ فأجاب: "لا، ولكن العصبية أن ينصر الرجل قومه على الظلم"، وقال جعفر الصادق: "العصبية أن تفضلوا أشرار قومكم على خيار الآخرين".وإلى هذا فالطائفية السياسية اضطهاد سياسي وإقتصادي وسلاح للحكام يستعملونه من اقتضت الحاجة، وتتمسك به المجموعات التي تهدف إلى إمتلاك نفوذ وممارسة سلطة، مستقلة الدين من أجل أداء دور سياسي في المجتمع والدولة، ودائماً الذي يمارس التمييز الطائفي ينبغي أن يكون في مركز القوة، كأن يمتلك إمتيازات عامة قابلة للتوزيع، فيسعى في توزيعها بطريقة منحازة، أما الذي خارج الدولة، فهو لا يستطيع أن يكون طائفياً.وعلى هذا الأساس، فإن الطائفية إنما تمثل وسيلة لحماية سلطة أو طريق للوصول إلى السلطة، وهناك من يعرف الطائفية بأنها: "إنحياز معلن من قبل صاحبها إزاء مذهبه أو طائفته ضد الآخرين"، وعلى هذا يجب تمييز ماذا ليس طائفاً... الدين ليس طائفياً والمذهب ليس طائفياً، يجب التمييز بين التدين والطائفية، بين المذهبة والطائفية.فالإنتماء لمذهب أو دين عن وعي، خاصة عند الأوائل الذين أسسوا هذا الدين لا يعد طائفياً، بل إيماناً حتى لوعدّ في فترة ما طائفياً، لكن الطائفية جيل ثانٍ، أو ثالث، أو رابع، عندما يبدأ الإنتماء يكون للجماعة وليس للمذهب، فالإنتماء للجماعة ليس بالضرورة تدين حقيقي، وهي لا تختلف من حيث المبدأ كثيراً من البشائرية والجماعة التي تحاول أن تطور عصبيات البشر فيها بعد جاهلي، وهي التعصب لجماعة من البشر وغالباً ما يستدعى رجال الدين لحراسة حدود الجماعات التي قسمت نفسها بخطوط تماس وخطوط فصل.وعند نشأة الدولة الحديثة، نشأت الطائفية السياسية عند محاولة المجتمعات الأهلية نقل الطائفية إلى الدولة الحديثة، لتنشأ الطائفية السياسية، ومحاولة أبناء هذه الطائفية تحويل هذا الإنتماء إلى تعصب ومن ثم إلى طائفية سياسية، لكسب أرباح الطائفة، وعندما تتحول الطائفية إلى حزبية، تنشأ حالة غير سوية وغير طبيعية للدولة على ناحيتين: الناحية الأولى: يذوب المواطن في الطائفة، وتنوب الطائفة عنه في كل شخصيته، وثقافته، ومميزاته الناحية الثانية: هو تفتيت كل مقومات الأمة الحديثة في الدولة الحديثة القائمة وتتجزأ وتتشظى وتطرح الطائفة نفسها، كمعبّر عن مصلحة جزء أو جماعة من الناس وليس الدولة ككل.الخطورة ليس قمع الفرد في الداخل فقط، بل التدخل الخارجي أو إستدعاء النفوذ الخارجي لتضخيم وتعزيز دور الطائفة في مجتمعها، وتحت سقف هذه المصطلحات تضطرم نار الطائفية في العراق اليوم... هذا العراق الذي كان مركزاً للأفكار تتصارع وتتلاحق فيه، عندما كان مركز الحضارة العالمية وفيه نبتت بذرات المذاهب الإسلامية الأولى في جو من الفلسفة والروحانية دون سفك دماء وتعصب، لينقلب هذا الإختلاف في الرأي إلى خلاف وتصارع منذ أصبح العراق موطأً لسنابك خيل الغزاة من الفرس والعثمانيين الذين استثمروا هذا الإختلاف الفكري ليتحول إلى خلاف دموي سالت نتيجته أنهراً من الدماء بين أبناء الشعب الواحد والدين الواحد، خدمة لمصالح هذا أو ذاك.وعلى هذا يبدو أن البحث في أصل هذه المشكلة وهذا التوجه الطائفي يأخذ منحىً مهماً وذلك في سبيل الخروج من هذا المستنقع الذي يغرق الجميع في وحوله، من هنا تأتي هذه الدراسة التي يتناول الباحث من خلالها موضوع الطائفية السياسية في العراق وذلك في فترة العهد الجمهوري الممتدة بين الأعوام 1958- 1991.