كتابة التاريخ ليست ترفاً فكرياً ولا سرداً عشوائياً لأحداث الأمم والشعوب، ويحكي مواقفها ولتتحدث عن بطولاتها وتأسيسها دائماً، إنما التاريخ هو إستحضار لتلك الوقائع وتمثلها ليحدد في ضوئها الإنسان موقفه من الواقع بما يتوفر له من عبوة وعظة ودروس، وهو يخوض تجربته الإجتماعية، ويزاول عمله التغييري في واقع الحياة.وإن التاريخ الذي ينتمي إل...
قراءة الكل
كتابة التاريخ ليست ترفاً فكرياً ولا سرداً عشوائياً لأحداث الأمم والشعوب، ويحكي مواقفها ولتتحدث عن بطولاتها وتأسيسها دائماً، إنما التاريخ هو إستحضار لتلك الوقائع وتمثلها ليحدد في ضوئها الإنسان موقفه من الواقع بما يتوفر له من عبوة وعظة ودروس، وهو يخوض تجربته الإجتماعية، ويزاول عمله التغييري في واقع الحياة.وإن التاريخ الذي ينتمي إليه الفرد لا بد أن يكون شاخصاً بأحداثه وحركاته وحوادثه أمام شخصيته ليحدد مسؤوليته الحقيقية إزاء تلك الصور والاحداث، فهو لن يقف متفرجاً على صورة المختلفة وتداعياته، وإنما المراد من هذا تحديد موقفه ومساءلة نفسه عما هو صانع إزاء تلك المواقف والأحداث.من جانب آخر يمثل التاريخ مقطعاً متميزاً في تجربة الأمم والشعوب، وهي من غير شك تمثل بعداً متميزاً في تجربة الأمم والشعوب اللاحقة بشرط الإنفعال والتعاطي بأحداثها وفق رؤية واضحة ساهمت تلك المواقف ببلورتها ولهذا يقال إن الذي لا ينفعل بمأساة التاريخ لا يمكنه أن ينفعل بمأساة الحاضر.وإلى هذا فإن التاريخ محكوم بقوانين وسنن تحدد مسيرته وتوجه أحداثه فكل الهزائم والإنتصارات والتقدم والإنكسار في حياة الأمم والشعوب إنما أنتجتها أسبابها الموضوعية ودوافعها النفسية سواء كانت تلك الأمم تنتمي إلى مسار عقائدي ديني أو مسار إجتماعي عام.من هذا المنطلق يأتي هذا الكتاب الذي لا يمثل مقارنة بين رجلين أو مرحلتين في تاريخ العراق، وما الزحف المغولي على بغداد إلا نقطة البداية في هذا البحث، إنما هو سرد للأحداث التاريخية لتسليط الضوء على المؤثرات الخارجية والداخلية في الأحداث والمعارك والحراك السياسي الذي امتد على طول تلك الفترات التاريخية التي حاول المؤرخ ما أمكنه الإحاطة بكل حدث وقع فيها.فربما لا يجد القارئ أحداثاً في عين البعض تكون مهمة، وقد أحداثاً ربما يفتقد القارئ أنها غير مهمة، لم يتوغل المؤلف كثيراً في التاريخ إلى العصر العباسي والأسس التي بنى عليها بنيانه والدماء التي سالت فيه، كما أنه لم يُطيلْ الوقوف على فترة هولاكو الدموية حيث أن دجلة غمرته الدماء حتى تغير لون مائه مختلطاً بين حبر الكتب ودماء الناس، وقام بالمرور مرور الكرام على بغداد أيام البريطانيين.إلى جانب هذا، وضمن إطار التاريخ الحديث، لم يكن إستغراقه طويلاً في الفترة البكرية الصدامية، لكن البحث في سقوط بغداد بيد الأمريكان أخذ حبر قلمه كله، هذا وإن ما تميز به هذا البحث التاريخي ملاحقة المؤلف للحدث بتفاصيله الدقيقة ليقرأ من خلال سطوره الدوافع والأغراض التي ساهمت في تكوين الأحداث التاريخية على الساحة العراقية، إضافة إلى توثيقه للأحداث بنصوص موثقة أصنفت على البحث طابع الموضوعية العلمية.بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا البحث فسح المجال أمام تعرية الموقف الأميركي ليتلمس القارئ من خلال الأبعاد والمرامي البعيدة للإحتلال الأميركي للعراق، وأهداف المشروع الأميركي في العراق خصوصاً، والمنطقة بصورة تامة، والذي يقوم على أساس حفظ ورعاية وتكريس المصالح الأمريكية في المنطقة بعيداً عن الشعارات الجوفاء التي تنادي بالحرية والديموقراطية والشروع في بناء شرق أوسط جديد.