تمدنا كليات الحقوق سنويا بمجموعة من الأبحاث القانونية المتنوعة والمختلفة، تبلور المجهود الصامت الذي يبذله عدد من الأساتذة الباحثين، وقليلا ما يتاح لنا الاطلاع عليه، وكثيرا ما لا نعيرها اهتماما معينا ؛ ولكن المفاجأة تحدث أحيانا عندما نقرأ، بل عندما ترغمنا الظروف على قراءة بعضها. ذلك أننا نجد نفسنا أمام مجهود علمي رائع يحق لجامعتن...
قراءة الكل
تمدنا كليات الحقوق سنويا بمجموعة من الأبحاث القانونية المتنوعة والمختلفة، تبلور المجهود الصامت الذي يبذله عدد من الأساتذة الباحثين، وقليلا ما يتاح لنا الاطلاع عليه، وكثيرا ما لا نعيرها اهتماما معينا ؛ ولكن المفاجأة تحدث أحيانا عندما نقرأ، بل عندما ترغمنا الظروف على قراءة بعضها. ذلك أننا نجد نفسنا أمام مجهود علمي رائع يحق لجامعتنا ولبلدنا أن يفخر به. وفي هذا الإطار جاء العمل الذي قام به الأستاذ عبد الإلاه لحكيم بناني في موضوع «تقديم الحصة في الشركة، محاولة تعريف».لاشك أن هذا العنوان يوحي بدراسة تقليدية لا تتجاوز استعراضا مدرسيا لعصارة الاجتهاد القضائي والفقهي حول تفسير وتأويل مقتضيات قانونية جافة ومقتضبة. لكن هذا الانطباع يزول سريعا منذ قراءة الأسطر الأولى للبحث الذي نقدمه ؛ ذلك أن الباحث لم يحبس جهده في توجه قانوني تقني. وقد أحسن صنعا لأن هذا الموقف لم يكن ليمكنه من تجاوز ما وصل إليه عدد لا يستهان به من الفقهاء المبرزين سواء في المغرب أو في فرنسا.بالفعل، منذ الوهلة الأولى سارع الباحث إلى جلب الانتباه لمنظور قانوني فقهي متفتح على معطيات معرفية غنية تزخر بها العلوم الاجتماعية والاقتصادية، وعيا منه بتفاعل عميق بين القانون والاقتصاد من جهة، وبضرورة استشفاف علاقة الموضوع بحتميات التنمية في إطار نظام ليبرالي يجتهد في التواصل أو التعايش ضمن إطار دولي قوي من جهة أخرى، فربط بين انعكاسات قانون الشركات وقانون التجارة، حيث وقف على ابتعادهما عن التطابق والملاءمة مع التوجه الاقتصادي للبلاد. وقد قوي هذا المنظور خاصة بعد احتضان المغرب لمراجعة اتفاقية الغات وما ترتب عنها من ضرورة مستعجلة لإعادة النظر في قوانين التجارة موازاة مع المركز الجديد للاقتصاد المغربي.بالتالي جاء اهتمام الباحث بتقديم الحصة في الشركة كمحاولة لتوضيح مؤسسة تقليدية لم يزدها النقاش الفقهي والقضائي إلا غموضا بتأرجحها بين أركان الشركة وشروطها، بين نظام أموال الشركة ووضعية الشركاء. فاجتهد بتفوق واضح في إبراز معالمها ضمن شركات الأموال وشركات الأشخاص، مميزا لها بدقة متناهية عما يختلط بها من تصرفات قانونية مجاورة، مركزا على طبيعتها كمطلب جوهري في مفهوم الشركة كشخص معنوي، كعقد ونظام قانوني، وكذا كميكنيزم اقتصادي. وتوقف مهيمنا على صلة الوصل بين هذه المعطيات والجوانب الاقتصادية، حيث سلط الضوء بقوة على كون تقديم الحصة هذا يعد أساس الائتمان الذي يهيمن على المعاملات التجارية والاقتصادية.خلاصة القول، جاء هذا العمل مساهمة إيجابية وغنية فرضت إعجاب وتقدير اللجنة التي ناقشتها يوم 26 أكتوبر 1990، لما لها من مكانة متميزة بين المراجع الفقهية المغربية التي لا مناص لكل دارس وباحث من الرجوع إليها.